Page 115 - merit 53
P. 115
113 إبداع ومبدعون
القصة في تونس
تفطنهم إلى علاقة خفية بين الفسوة والطاقة ما الفسوة والضرطة أختان لا فضل لإحداهما على
زالت تفاصيلها س ًّرا من أسرار الأمن القومي في الأخرى.
البلاد. الفسائيون والضراطيون أبناء عمومة إلى يوم الدين
لا يفرق بينهم مفرق.
***
يجتمع الفسائيون على كتابهم المقدس الموحد
مات راوي هذه الحكاية سنة خمس وثلاثين بعد «ال ُف َسا ُضراطية» ،به يتعبدون وإليه يحتكمون في ما
الفسوة ،وقيل سنة أربع وثلاثين ،والراجح حسب
المخطوط الذي عثرت عليه أن ذلك كان سنة سبع اختلفوا فيه.
ومنذ ذلك اللقاء الذي أعلن عي ًدا وطنيًّا
ثلاثين حسب أحد هوامش المخطوط ،فرأيت أن
أواصل ما كتب ،ولم يتبين لي بناء على ما قرأت إن سنو ًّيا ،توحدت المضارط والمفاسي
والعبادات ،وكان الاتفاق على رابع أيام
كان الراوي من الضراطيين أم من الفسائيين إذ الأسبوع يو ًما مقد ًسا موح ًدا الأمة على ضراط
أنني الساعة ،بعد كل هذه القرون مشغول بنفسي، وفساء .وأصبح الشيخ المرجع المقدس الذي وحد
الفريقين ،وبات يعرف من حينها بلقب «الشيخ
إذ جاءتني عروض كثيرة لأتفاسى أو ِ َلضا َر َط، المؤسس» ،وبنوا مبنى عظيما في وسط البلاد نصفه
والفعلان في لغتنا نحتان جديدان من وضع علماء مفسى ونصفه الثاني مضرطة وصاروا يحجون
اللغة عندنا ومعناهما بيِّن ،ولست أعرف من أنا إليه كل عام من كل حدب وصوب.
على وجه التحديد لأنني ،والحق يقال ،أفسو حينًا
وأضرط حينًا ،وذلك حسب الطقس ،ففي الربيع ***
يكثر ضراطي تأث ًرا بأصوات العصافير ،ويكثر قويت شوكة الضراطين والفسائين ،فانتظموا في
في الصيف فسائي لفتور يصيبني ،وأُقبل في حركتهم التي خططوا لها منذ زمن بعيد ،فانتشرت
«الفساضراطية» في البلاد معلنة الخروج على
الخريف على ما يكون بين ال ُفسية والضر ْيطة ،وأما الملك الذي لم يعرف عنه ميل إلى هذه الطائفة
في الشتاء فتنقبض عضلاتي وأنشط فأكون إلى
الضراط أمي َل .وعليه قررت أن أترك حسم أمري أو تلك .أقنعوا الناس بخروجه عن الملة،
للحادي والثلاثين من فيفري القادم موعد عيدنا وألبوا عليه أتباعه حتى أطاحوا به من الحكم،
المقدس ،فإن ضرطت مع الضراطين اضارط ُت، وسحلوه في الشوارع قبل أن يعدموه على
الخازوق في ساحة عامة ،وبايعوا «الشيخ
وإن فسوت مع الفسائين َت َفا َس ْو ُت ،والحلان عندي
غنيمة عظيمة ،بما أنني سأكون في كل أمري على المؤسس» مل ًكا.
دين شيخنا إمام الضراطين والف َّسائين. انتقى الشيخ ثلة من أتباعه فكتبوا مدونة
*** جديدة اشتقت منها قوانين وتشريعات
وحدت الأمة على الفساء والضراط ،ونشطت
مات الراويان ،وأنا حزين عليهما ،لأن أح ًدا منهما
لم يكن قاد ًرا على إكمال القصة ،لأن للأيام غد ًرا لا اغتيالات معارضيه ،فعملت سيوف أعوانه
يدركه إلا من عاشرها وخبر ساعاتها .وليس لي في في رقابهم .وعم البلاد رخاء لم تعرفه على
هذه اللحظة سوى أن أتأمل الضراطين والفسائين مدى تاريخها الطويل .وتأسست الجامعات
العلمية ،ونشطت البحوث ،وازدهرت علوم
في زمني وهم يحتفلون في كل عام بالحادي اللغة وتفرعت علوم الفساء واستقلت علوم
والثلاثين من فيفري ،ويذكرون أيام إمامنا كما
تذكر الأنبياء والرسل ،في انتظار أن تمر هذه القصة الضراط .واشتق العلماء من الفساء نظريات
إلى صاحب ريشة أخرى وليكن ف َّسا ًء أو ض َّرا ًطا.. علمية سرعان ما حولتها مخابر علوم الفضاء إلى
صناعات متطورة كان آخر إنجازاتها إرسال أول
لا يهم.
مركبة استكشاف فضائية إلى كوكب زحل عبر