Page 121 - merit 53
P. 121
119 إبداع ومبدعون
القصة في تونس
لأجل كل عيون الأطفال الحزانى والأمهات الثكالى، بعي ًدا عني وأشاحوا بوجوههم لتجاوزي ،و ُّدوا لو
أنا هنا ،أنا حمالة قضية.. الأرض ابتلعتهم؛ فضحاياهم تجسدت أمامهم تعري
يتكلم الأقرع ،يلتفت إل َّي ،يتطاير رذاذ بصاقه عهرهم .أوداجهم المنتفخة من نهش لحم المساكين
ليصيبني واب ًل ،يشير إل َّي بالبنان ،كلماته تصم تضارع أحمري القاني الذي يفقأ عيونهم .يفرون
الآذان ،حروب ،ضحايا ،أوبئة ،فقر وجوع ،تنديد.. خوف أن تلحقهم أرواح المظلومين .وأمي تتسمر
التصفيق مرة أخرى يعلو ،بينما أبصارهم تمر عليَّ
عابرة .تع َمى بصيرتهم عن حرائقي ،ألمي ،مخاضي. أمامي ،فتدعو الركب إلى التمهل.
الجميع متله ،يشكر نعم الأقرع ،يصلي لخطبته رجل مكتنز لم أكد أفرق بين وجهه وقفاه
لانحشاره مثل بالون داخل سترة باهضة ،ثمنها
الرنانة.. يعيل يتيم حرب ،باءت محاولته في التأنق بفشل
في غفلة منهم ،وبخطى حثيثة تقترب مني شابة، ذريع فقبحه با ٍد للعيون ،يوشوش في أذن مرافقه،
ثم يطأطئ رأسه الأقرع وحباب العرق ينز منه،
في ثوبها الأبيض ،تمد ذراعيها تحتضن الطفل
الصريع ،تقبله .دموعها تغسل وجعي .تسر لي: يخاطب أمي:
-هذه اللوحة تقطع الأنفاس ،لقد اخترت لها
«لا تجزعي سينفض هذا الكرنفال من حولنا. مكانها ،إنها لا تقدر بثمن ..موضوعها حديث
سينصرف هؤلاء المهرجون وينسونك .لن أتركك
معلقة على هذا الجدار البائس ،أمامنا رحلة طويلة الساعة.
يصفق من حوله .ويتعالى صوت أحدهم:
شاقة ،وطريقنا محفوف بالأشواك ،لكن سنبلغ
غايتنا ،سنبلغ».. -دمت نصي ًرا للسلم والمظلومين.
أعماقي تقرف منهم! يا لهم من منافقين،
وصوليين ..أبواق مزمرة ،مطبلة ..يشتريني بالمال
تكفي ًرا عن صمته على الجرائم ،والدمار! أنا خزيه.
أكيد سيرمي بي إلى المحرقة بمجرد حوزه إياي..
عديم الإنسانية هذا سيتملكني!
تدثرني أمي بعناية فائقة ،تفهم نظرة عتابي
واستغرابي ،تحنو عليَّ في رقة:
-يعز عليَّ فراقك ،غير أن رسالتك خطيرة،
سيجوب ب ِك العالم لأجل قضيتنا العادلة ،كوني
بخير.
أنقاد منصاعة .وأفاجأ .من جديد ُيحتفى بي ..قاعة
فسيحة ،جدار لي بمفردي لا يشاركني فيه أي من
إخوتي! خلفية تتماشى وتوهجي! سأشد الأبصار
وأثير المشاعر بألواني المتقدة ،لا بد للضمائر أن
تصح َو ،حتى تخمد همجية الطامعين ،وتكف عصي
الجلادين ..أنا هنا بعيدة عن مسقط رأسي ،وأضواء
كثيرة مسلطة عليَّ .مصادح بأشكال مختلفة،
إعلاميون يتهافتون .يبدو أن أمي أصابت فيما
ارتأته لي .الأمهات دو ًما يحاكين الأنبياء..
القاعة تغص بالحاضرين .الأقرع ببذلته الأنيقة
يدخل دخو ًل مسرحيًّا ،يعتلي المنصة .كم كرهت
أن أكون خلفه! لكن لأجل عيني الطفل النجلاوين،