Page 126 - merit 53
P. 126
العـدد 53 124
مايو ٢٠٢3
هدى الهرمي
(تونس)
الأكذوبة
العائلات العريقة ،فلا أحد يبيع ببطء وتثاقل شديد وصل الى باحة المقهى .إنها
عقاراته وممتلكاته .أما الأثاث الملاذ الوحيد لكل من يؤم سوق السيارات ،بعد
والأغراض وإذا ما تم الاستغناء عنها معاناة الوقوف طيلة ساعات تحت أشعة الشمس
بغرض التجديد ومواكبة العصر ،فإنها الحارقة والصخب الذي يدق رأسه كالناقوس .كان
ُتوضع في مستودع خاص أو ُتمنح ك ِهبة السوق مزدح ًما ،لكنه يدرك أن أغلب من يرتاد
المكان عادة ،يقومون بفحص العربة بدقة وتمعن
لجمعيات خيرية. وهم مكومين ،يحومون حولها لكشف عيوبها،
على مهل ،جلس تحت شجرة وارفة بعدها يتم رفع الغطاء والصندوق الخلفي .يجربون
الظلال .تردد في مناداة النادل ليجد له قوة المُحرك ومدى صلاحية قطع الغيار .ثم تقع
طاولة واطئة ويقدم له كوب شاي أحمر المفاوضات على الثمن حسب سعر السوق .لكن
يعدل مزاجه السيء .تابع بعينيه حركة السماسرة الجدد يضيقون عليه الأمر كل مرة.
رواد المقهى وهو يحدق في وجوههم.
كان يخفض بصره كلَّما لمح أح ًدا يش ُّك كانوا دائمي التهكم والفظاظة.
في معرفته له .خبأ أوراق السيارة في جيب سترته رجال كثيرون كرروا الأشياء نفسها طوال النهار.
ونهض وهو ُيسرع الخطى إلى مبتغاه .قصد دكا ًنا لكنه تحمل احتكاكه بهم طوال الوقت وهو يتمتم:
قريبًا لشراء علبة سجائر .تح َّسس شيئًا في الجيب
الآخر ،لفافة صغيرة من الجلد .أخرجها ثم فتحها -تبًّا لهؤلاء الحمقى!
وأمعن فيها النظر .كانت تحتوي «فردة ذهب» ،إنها يعرف جي ًدا أنه مرهق ج ًّدا وأنه تحول إلى عكاز
ناشف لا يصلح لشيء .لا يدري متى ضيع
وقاره ،أرضه ،منزله ،أهله ،ولم يعد يهمه الاحتفاظ
بسيارته السوداء “المرسيدس» بعد أن رافقته أكثر
من ربع قرن .كانت رم ًزا للوجاهة حينذاك .لقد
انمحت أكذوبة السعادة في امتلاك كل شيء.
ارتد عل ٌّي ،حين أثقلت الديون كاهله على مدى خمس
سنوات متتالية بسبب كساد تجارته والانكماش
الاقتصادي الذي عرفته البلاد ،فاضطر للتفويت
في المحل وتركة الأجداد بنهح جامع الزيتونة ،بعد
أن اصبحت أسواق المدينة العتيقة شبه خالية من
الحرفاء .لقد ورث المحل عن أبيه «الحاج صابر»
وكان ُيعد من التجار الأكثر صيتًا في «البلاد
العربي» .لم يكن بمقدوره أن يظل وفيًّا ل ُعرف