Page 123 - merit 53
P. 123
121 إبداع ومبدعون
القصة في تونس
ومن أشعة السماوات ،ووسمته بسمات الوحش منها ويعرض عليها صو ًرا لبعض الألواح وصو ًرا
في البراري والنبت في الغابات والماء في الوديان، لبعض الترجمات العربية المتأخرة .سأنزلها الآن.
وفتحت رئتيه لهواء الأعالي .فألقى عليه جناحات
الليل المؤذية ،فلم تصبه .فصب عليه القار المترسب -جميل ،لكنني أريد أن أحكي لك ما رأيته في
في أعماقه منذ خلقه إلى ساعته تلك ،فلم تصبه. الحلم!
وصارعه صرا ًعا لم تعرفه الأرض ولا السماء،
حتى بان في ضلوعه الصبح وقد دمي وأوهى، -كلي آذان.
-أنت يا أبي فشلت مرا ًرا .تزوجت مرتين أو ثلا ًثا،
وحتى ظهر في أوردته الدم وقد نزف وأهرق،
وخر أنكيدو أمام جلجامش أخي ًرا ،فلم يق ِض خسرت مالك مرا ًرا .سجنت مرا ًرا .وشاركت في
عليه ،والتم الليل بجناحاته السود في الأعماق من كل الحروب الخاسرة .وها أنت ترى حياتنا .هل
جديد ،وتجمدت وديان القار في منابتها ،ومد يده يزعجني ذلك الآن كما كان يزعجني في طفولتي
له لينهض ،وصار له منذ ذلك اليوم قرين .وسماه المبكرة؟ أقسم لا ،وآمل أن ذكري لذلك لا يزعجك،
رفي ًقا وأ ًخا ،وأخذتهما الدروب .لكن أنت يا أبي! جلجامش مثلك تما ًما .لم يحبه أحد أب ًدا ،ولم يعتبره
ينظر إليها بمحبة .فهي لم تعد تلك الصغيرة التي أح ٌد مل ًكا أو من سلالة ملكية بالحق ،فشل في أن
يكذب عليها فترضى ،صارت امرأة صغيرة .ابتسم يكون محبو ًبا ،وزاد فأثقل على الناس بأعماله .فما
من عروس جديدة إلا وليلتها الأولى في سريره،
لفكرته ،ولم يتكلم ،فلقد تدفقت البنت. ولا مؤامرة إلا وله فيها يد! وكان ب َّطاشا مغام ًرا
-أنت عشت وحي ًدا .لم تنتخب لك من جميع أعدائك لا يهاب الحرب ،بل يتقصاها ويجهد في مقارعة
كف ًؤا .خلت أن الهروب انتصار ،وأمعنت في الكذب. أهوالها ،جعله ذلك كله وح ًشا .تقول عنه الصبايا:
«إنه ليس بش ًرا .فيه دم بشري ،لكنه إله!» .يسميه
اعذرني ،يا أبي ،لقد قذفنا ذلك في حياة تافهة
حقيرة بلا قلب ،وعشنا دون حياة! الفقراء الواهب ،ويقولون عنه« :المعطي دون
حساب» .ويقول عنه رجال الدين« :رجل شر!» .أما
-معك حق! لو عادت بي الحياة ،لكنها ابنة الكلب لا
تعود .ولقد عشتها كما يليق بكلب حقيقي! أنا فلقد بدا لي مثلك يا أبي ،مجرد إنسان خ َّطاء،
وفي ظله شعرت باطمئنان .أتعرف يا أبي ،تشغلني
-أما شبيهك جلجامش فلقد زاد بأسه بشريكه،
إذ صارت اليد يدين ،والقلب قلبين .واهتز العالم مسالة الشبه هذه .تشغلني كثيرا.
القديم بينهما ،فغامرا ،وخاطرا ،وش َّقا على كائنات -أنا أي ًضا أستغرب قولك! الشبه قد لا يكون تا ًّما.
الأرض والسماء ،فقتلا خمبابا زعيم الشرور ربما مجرد انعكاس لصورتي في صورته!
ومبعوث الآلهة الأقوى .واستقر الوضع لهما تواصل البنت القصة ،وريكا تخمش الهواء قربها،
بعض الوقت حتى تنزلت الربة عشتار ،ومشت على وتلاعب ذيلها ،ووالدها متسمر في مكانه وقد شغله
الأرض.. الحلم.
وتوقفت البنت ،حين كادت ريكا تسقط من النافذة -جلجامش ليل أبدي مثلك يا أبي ،هو أي ًضا بنى
أسواره العظيمة التي لا يقربها بشر ،ولكنه لم يهزم
في الطابق الثاني من عمارة الفصول الذهبية ،في
المدينة الغريبة عن الأهل .وحضنت قطتها ،وطفقت في حرب ضد البشر أب ًدا.
تقبلها ،ثم تركتها بعد أن هدأت ،واستعدت للحديث، -لقد وجدت الفرق أخي ًرا.
-لا ،لا ،هو أي ًضا فشل ،فشل مثلك أو أكثر منك،
فسبقها الأب. يا أبي .حين لم يكن له شبيه من نوعه يقدر على
-أعرف أنه ليس حل ًما .الأحلام لا تطول هكذا. دحره .تفتق ذهن الآلهة ،فخلقت له القرين فقتله،
لا تبدو البنت متأثرة بقول والدها ،ولا بالتعريض وخلقت له القرين الثاني فقتله ،ولوث بدمائها ثياب
الوجود .ولكنه أمام عضات الدهر الموجعة أدرك أن
الساخر في كلماته ،وتنشد إلى خطتها نفسها العالم موحش ،وأن الوحدة ليل آخر أكثر إيلا ًما،
بإصرار. لكنه لم يدر ما يفعل حتى أنزلت الآلهة عليه عد ًّوا
من نوعه صاغته بخبراتها الأدبية من حجر القيعان
-إنه ليس حلم يوم واحد ،يخالجني هذا الحلم منذ
سنوات ،وتنبت له في كل يوم وشوم في الروح .ويا