Page 125 - merit 53
P. 125
123 إبداع ومبدعون
القصة في تونس
هل من أجل ذلك تركت حياتك كلها؟ لا
أدري ،ولكنك عدت لي من جديد بط ًل!
يتنهد الأب ،وتغرورق عيناه بالدموع.
وتعيده ابنته إلى أمها التي لا تزال
محفورة في قلبه .يريد أن يتكلم ،لكن
الكلمات أعشاش غادرتها طيور الوضوح.
فاكتفى بضمها ،ومد يده النحيلة لريكا التي
تشبت بها في جذل.
-وأنت نائم أنشدت لك نشي ًدا لا أعرف من أين
جاءني« :يا أبي يا رفيقي .يا صديقي ،ويا أخي.
يا من كنت معي في تلال الليل وجبال النهارات
القاسية .يا من كنت برفقتي في كل شيء .يا من
تسلقت صخور التلاع .وأمسكت بثور السماء
وأرديته قتي ًل .وقذفت أر ًضا بخمبابا الساكن في
غابة الأرز .لماذا لا تستفيق؟ من أين جئت بكل هذا
النوم؟» .ولم تسمعني ،ولم يسمعني أحد ،وضاعت
أناشيدي .ورفضت موتك ،يا أبي.
-لكن ،يا ابنتي ،فات الوقت .لقد تمكن مني
السرطان.
-رأيت جلجامش يفكر وصديقه أمامه مدود
ومتعفن .ليلتها أنا أي ًضا جلست أفكر .وسرت في
جسدي تلك الطاقة التي سرت في أنكيدو ليموت
من أجل هدفه الأسمى ،وترقرقت رؤياي .رأيته
يسير ،دون توقف قاط ًعا الفيافي ،غير عابئ بمخاطر
الطريق .وتلبسني خوف من الموت لم أعهده ساب ًقا،
وقادتني خطوات جلجامش في رؤياي إلى السعي
إليك .صليبك الثقيل أنا ،ومعبدك القديم ،ورفيق
رحلتي! جلجامش حصل على عشبة الخلود،
وفقدها ،وسوف تعيش لأرويها لك ،أما أنا فلقد
أفقت ،وها أنا ثمرة في غصنك يا أبي.
تتردد كلمة عشبة الخلود في ذهنه ،وهو يحدق
في عيني ابنته ،متذك ًرا ما فعله السرطان بجسده.
يضعه حلمها الطويل أمام سره الصغير المكتوم،
ومشاكل حياته التي تعاظمت طيلة أعوام وأعوام،
أما وقد فشا سره ،فلا مجال للخوف.
-أما آن للحلم أن ينتهي؟ يا ابنتي!
لا تجيبه ،بل تمد له ورقة مطوية ،فيفتحها ،ويقرأ
ما كتب بعناية ،ويبتسم ها ًّزا رأسه برضى .وتثبت
البنت في حضنه مثل عشبة خلود ،وتهمس له:
-غ ًدا نبدأ حصص العلاج الكيمياوي.