Page 129 - merit 53
P. 129

‫‪127‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة في تونس‬

     ‫أحرقت عيونهم رغوة الصابون وأوجعهم دلك‬                ‫هو يرفض لكنها ُتلح عليه أن يقبل ظر ًفا صغي ًرا‪،‬‬
  ‫أمهاتهم العنيف‪ ..‬أتذكرين يا حياة صوت مزهرية‬                                  ‫أحيا ًنا هو كل ما قبضت‪..‬‬

     ‫الكريستال؟ وقد انثالت شظايا ساعة التحمتما‬          ‫ينتهي اللقاء بفتور مباغت يشي به صوته فتتوهج‬
  ‫بالأرض؟ وأنت بعد صغيرة‪ ،‬حديثة العهد بالمدينة‬            ‫سيجارته ويتصاعد دخانها عاليًا‪ ،‬وتنصرف هي‬
‫تشبهين حبة عنب أو ربما فراشة وبكفيك الرقيقتين‬
  ‫تلمعين الأواني وتنفضين الغبار‪ُ ..‬مشغلتك يومها‬        ‫إلى النجوم تعدها حبات عقيق وأسلاك فضة توشي‬
   ‫كانت سيدة تعمل في الوزارة‪ ..‬أعرف أنه لا رغبة‬           ‫ثو ًبا أبيض يحلق بها في سقف بيت‪ .‬أجمل ما في‬
‫لديك في تذكر ذاك اليوم‪ ..‬لكن الجرح الغائر الساكن‬
 ‫في بطنك سيعترضك‪ ،‬ستتحجر يدك وأنت تمررين‬                ‫البيوت سقوفها! بل أقفالها والمزاليج! تصد العيون‬
‫الليفة والصابون وسيعلو صراخها وصدى كلماتها‬                                                  ‫والأصابع‪..‬‬

     ‫مع البخار الحار المتراكم في السقف المقبب‪»..‬يا‬          ‫«أحب أن أنجب لأراني في غير المكان والزمان‪،‬‬
         ‫كلبة‪ ،‬الفاز أغلى منك‪ ..‬ما فماش شهرية»‪.‬‬             ‫شهوة الأمومة افترستني‪ ،‬ربما هي الخدمة في‬
                                                       ‫البيوت تحتاج روا ًدا جد ًدا؟ ربما هو ذاك أمر القدر‪.‬‬
    ‫«الشهرية» كفيلة بتحقيق كل الأمنيات الصغيرة‬              ‫هانت‪ ،‬انتظرت الكثير ولم يبق إلا القليل! قريبًا‬
  ‫التي يحلم بها الفقراء ساعة يدغدغ الحب قلوبهم‬             ‫يفتح كش ًكا لبيع المكسرات والمشروبات الغازية‬
   ‫المجهدة‪ ..‬في البدء كانت تؤثر بها ساكني الجبل‪،‬‬       ‫«دراقستور نادر وحياة» ويعود النهر قربي منسا ًبا‬
  ‫حديثًا صارت تطعمها ساكن المدينة شر ًكا تحبكه‬         ‫رقرا ًقا‪ ..‬سترقص أمي بقدميها الحافيتين وستفوح‬
                                                       ‫رائحة التراب والحناء والريحان وأنا أختال عرو ًسا‬
      ‫ليرتفع كفها عن ذل الانبساط وخدمة البيوت‬
       ‫وتستتر في بيت مع رجل وعين الله باسمة‪..‬‬                                     ‫وزوجي يمسك كفي»‪.‬‬
       ‫ارتفع الضجيج وتعالت الأصوات متصادية‬                   ‫هكذا تحدث نفسها بعد كل لقاء لتفتت ص ًدى‬
  ‫واحتدت سقسقة المياه المنفلتة وأنت بعد تغوصين‬          ‫متكل ًسا يفسد شغفها‪ ،‬تدوسه وتعدو خلف اللحظة‬
      ‫في صمتك‪ ،‬هيا تحدثي‪ ،‬قولي أشياءك بصوت‬               ‫المقبلة‪ ..‬صغيرة كانت تتقن الهروب‪ ،‬تقفز إلى قلب‬
 ‫عال‪ ،‬ادفعي السطل برجلك مث ًل‪ ،‬احضني السارية‬               ‫الشجرة حين يباغتها الذئب في طريق المدرسة‪،‬‬
       ‫وارقصي‪ .‬اضحكي مثلما كانت تضحك تلك‬                     ‫اليوم يرتسم ظلها على الاسفلت كئيبًا وتتجلى‬
‫العجوزالمجنونة التي عملت عندها مدة وجيزة لكنها‬          ‫عروقها نافرة‪ ،‬أشجار المدينة لها قلب مذبب يخرق‬
   ‫طردتك مدعية أنك تشبهين امرأة عشقها زوجها‬
    ‫وطار معها‪ ..‬ههههههه‪ ..‬ههههههه‪ ..‬غن يا حياة‬                                   ‫الريح بأصابع لا ترى‪.‬‬
  ‫«غن» يا حمامة طارت‪ ..‬طارت للعالي‪ ..‬علي نشكي‬                ‫دفعت حياة الباب الأزرق المهترئ وخطت إلى‬
  ‫له ياما يا أميمة يا ما»‪ ..‬الأغنيات تتعانق وتتوحد‬      ‫الداخل‪ ..‬أودعت جوالها وحقيبة يدها سيد ًة سمينة‬
    ‫وتستوي على الصدى‪ ،‬لا أحد سيتفطن للنشاز‪.‬‬            ‫منتفخة الأوداج تجلس خلف دكة عالية تربط رأسها‬
   ‫عهدتك صديقة لهذا الضجيج تقتربين من ذاتك‪،‬‬            ‫بفولارة مزركشة والعقدة على الجبين‪ .‬رجتها حياة‬
  ‫تتحسسين قلبك وتفكين قيد صمتك كلما ازدادت‬                 ‫أن تحفظ الحقيبة بعناية وردت السيدة بإيماءة‬
   ‫فوضاهم‪ ..‬المخلوقات المتحركة من حولك لم تعد‬
  ‫تعنيك كثي ًرا‪ ..‬تما ًما كما صرت تفعلين مع السنين‬                                     ‫وابتسامة مائلة‪..‬‬
‫المتعاقبة‪ ،‬دهر وأنت تمسحين الأرضيات وتتحدثين‬                   ‫«كم تحبين ارتياد هذا الحمام ذي الخدمات‬
  ‫مع الصحون وتبكين مبتسمة مع المرايا؛ فما بالك‬             ‫الرخيصة بهوائه الثقيل ورائحة العفونة تسري‬
                                                       ‫مموهة بشذى بخور عطور حامضة غريبة! تؤنس ِك‬
               ‫اليوم ساهمة واجمة؟ في َم تفكرين؟‬               ‫أضواؤه الخافتة المرتعشة! تجلسين بهدوء‪..‬‬
  ‫في نفس هذا المكان ولد طيف فكرة راقصتني ذات‬               ‫تغمضين عينيك وتسكبين الماء دافئًا لذي ًذا فوق‬
                                                            ‫رأسك‪ ،‬تتلمظين شعو ًرا مري ًحا وأنت تنصتين‬
     ‫مساء عنوة‪ ،‬فنزفت عر ًقا وقيئًا‪ ..‬الماء الساخن‬     ‫للصخب المتصاعد حولك ولرنين الأواني المتدحرجة‬
  ‫ولزوجة الحائط زادا الفكرة التها ًبا‪ ..‬تلك الليلة لم‬     ‫على الأرض الرخامية الصلبة‪ ..‬ضحكات النسوة‪،‬‬
                                                             ‫ثرثرتهن‪ ،‬نكتهن البذيئة‪ ،‬صراخ الأطفال وقد‬
   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134