Page 131 - merit 53
P. 131

‫‪129‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة في تونس‬

    ‫أنم وقرعت عشرات البنادير جوفي وأنا لا أتبين‬
     ‫لي شعو ًرا حيًّا‪ ،‬فقط كنت أضغط بإصبعي على‬
   ‫ناصيتي المحفورة كي أزيح رماد الوهم والحمى‬
     ‫وآلام الوشم والإبر المدماة‪ ،‬فأهرع إلى النافذة‬
     ‫أستجدي رائحة الصنوبر البعيدة وأراوغ لي ًل‬
 ‫متسرب ًل بالسواد واللامبالاة لولا بعض المصابيح‬

                    ‫الشاحبة المومضة هنا وهناك‪.‬‬
    ‫السيدة مليكة أو السيدة الرئيسة صاحبة البيت‬
 ‫قاضية بمحكمة الاستئناف‪ ،‬قلي ًل ما تمكث بالبيت‬
   ‫وإن فعلت ففي مكتبها تقلب ملفات القضايا‪ ..‬في‬
    ‫حقيقة الأمر ورغم اتساع البيت وفخامة الأثاث‬
  ‫وتنوعه ورغم كثرة الأعمال الملقاة على كاهل حياة‬
     ‫إلا أنها كانت تشعر بنوع من الراحة والسكينة‬
‫المؤقتة‪ ،‬فالسيدة الرئيسة تثق بها وتسلم لها العهدة‬

                                         ‫كاملة‪..‬‬
   ‫تصبب عرقها أزاحته بخرقة ندية كانت بيسراها‬

     ‫ودفعت الدرج فانغلق بسهولة وتسللت خارج‬
   ‫الغرفة يغمرها شعور ُمبهم انتابها دفعة واحدة‪،‬‬
   ‫وصرة المصوغ سجينة بين كفيها صارت مبللة‪.‬‬
   ‫المسافة بين الدرج وحقيبة يدها كانت مزيجا من‬
    ‫التأرجح والعدو خطوة إلى الوراء وخطوتين إلى‬
    ‫الأمام لأول مرة تزحف باتجاه لا تدرك نهايته‪.‬‬

     ‫ليلة أخرى من البياض تنتظرك يا حياة‪ ،‬فيدك‬
‫النحيلة وأناملك المهترئة بشتى مساحيق الغسيل لن‬
‫تبيت الليلة غافية بهدوء‪ ،‬ستنبت لها مخالب معقوفة‬
 ‫وقد تتقرح جلدتك وربما تنتفخ أصابعك وتتشاجر‬
 ‫فيما بينها‪ ..‬ماذا لو سمعت السيدة مليكة الضجيج‬

  ‫وجاءت تستطلع الأمر؟ سينكشف أمرك يا حياة!‬
     ‫لأن السيدة خبيرة بالنظرات المريبة والحركات‬
       ‫المظللة‪ ،‬ما جدوى براءتك المصطنعة وسعالك‬
    ‫المتقطع‪ ،‬ضحكاتك المتشنجة‪ ،‬دموعك الفاضحة؟‬

 ‫اهدئي ونامي‪ ،‬تمددي بلا حراك كمجذوبة ُصرعت‬
                                          ‫للتو‪..‬‬

   ‫تاجر الذهب ذاك الأنيق صاحب المحل الثالث على‬
     ‫اليمين يشتري جميع أصناف المصوغ والدفع‬

 ‫بالحاضر وصرة كهذه تفي بالغرض وتحقق المرام‬
    ‫ولا أظن السيدة مليكة ستتفقد العلبة أب ًدا‪ ..‬أكثر‬
   ‫من سنة وأنا أعمل في هذا البيت ولم أرها تمسك‬
   ‫بالعلبة أو تتزين بمصوغ‪ ..‬هي في غنى عنه‪ ..‬لا‪،‬‬
   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136