Page 128 - merit 53
P. 128

‫العـدد ‪53‬‬                            ‫‪126‬‬

                                                                  ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

‫وفاء فتح الله‬

‫(تونس)‬

‫أصابع المدينة‬

           ‫‪ -‬آه‪« ..‬نادر» يزي‪ ..‬حشمتني يا «نادر»‬               ‫شهية ومثيرة رائحة اللوز والسكر يتعانقان‬
                                   ‫‪ -‬راك مرتي!‬             ‫بحرارة فوق نار هادئة‪ ،‬كلما دفع البائع عربته‬
                                                          ‫فاحت الأرجاء‪ ..‬اقتربت منه ووضعت النقود في‬
                           ‫‪ -‬وقتاش نولي مرتك؟‬            ‫كفه الممدودة‪ ،‬هو البائع يحسبه العابرون ضري ًرا‬
‫‪ -‬قريب‪ ،‬اصبري باش نشريلك صاغة ذهب‪ ..‬لازم‬                   ‫لكنه بيده يراها‪ ،‬كمغرم أعزل يوفي لها الحلوى‬
                                                       ‫والابتسام‪ُ ..‬تحدق في اتساع العينين الزرقاوين وفي‬
                                       ‫نشوفك‪.‬‬          ‫النظرة العالقة‪ ،‬تكاد تشرق بحبيبات السكر المتيبسة‬
     ‫حين يلتقيان في المساءات الجميلة‪ ،‬يقترب منها‬        ‫عندما تسمع اسمها ينز من شفتيه‪« :‬حياة‪ ..‬حياة»‬
    ‫فتطفو قربه وتمرر أصابعها على كتفه العاري‪..‬‬             ‫لكنها ككل مرة تنصرف كسحابة مسرعة تلقم‬
   ‫مغناطيس يجذبها إليه‪ ،‬تحاول بيد مثقلة أن تبعد‬          ‫خطوها الأرضية المبلطة وصوت العجلات يتلعثم‬
     ‫يده القوية لكن أنفاسه الهائجة تسبقها وتشل‬         ‫خلفها مترن ًحا بطيئًا‪ ..‬لا بد أنه يراها جميلة ليلاحق‬
‫أوصالها فيطوقها بقسوة وتشنج ويهمس لها بكلمة‬
   ‫واحدة‪ .‬سر اللحظة أن ثمة امرأة أخرى تستيقظ‬                                          ‫مؤخرتها النافرة‪.‬‬
      ‫بداخلها‪ ..‬امرأة تغمض عينيها وتبتلع الدهشة‬          ‫نصف يوم فقط‪ ،‬هو راحتها الأسبوعية وكالعادة‬
‫دفعة واحدة‪ ..‬فتلتذ‪ ..‬وتنتشي‪ ..‬ملمس يده العجيب‬             ‫هي في طريقها إلى الحمام القابع في جوف زقاق‬
     ‫يجوس جذعها النحيل فينسيها وخز الفصول‬               ‫أفعواني‪ ،‬يبدو أن التسكع استهواها اليوم ولم تأبه‬
    ‫القديمة والساعات المتقلبة‪ ،‬ولولا أن يتعالى نداء‬    ‫للشمس تلسع قفاها‪ ،‬فسلكت درب المترفين وولجت‬
    ‫أمها ندا ًء خفيًّا كل حين ليعصف بحقول الخدر‬         ‫سوق الصاغة أو سوق البركة كما يسمونه‪ ..‬بريق‬
   ‫التي تغمرها‪« ..‬ردي بالك على روحك‪ »..‬فتنتفض‬            ‫المعدن المضيء وجمال القلائد والأساور المرصعة‬
   ‫وتستفيق من غمرة دوارها الشهوي الملتبس كما‬
‫عشبة صخرية صفعتها ريح وافدة‪ ..‬تبتعد‪ ،‬تهمس‪:‬‬                                                 ‫خطف لبها‪.‬‬
                                                           ‫في العادة كانت تتبسم‪ ،‬تتنهد‪ ،‬تتحسس جيدها‬
                     ‫ـ هيا توكل على الله‪ ‬ونتزوج!‬           ‫تتأوه وتمضي‪ .‬الغريب في الأمر هذه المرة أنها‬
     ‫ـ ق ُرب الفرج «حيوتة»‪ .‬فكرة المشروع صارت‬
   ‫جاهزة واكتريت المحل‪ ،‬فقط ينقصني بعض المال‬                   ‫دخلت أكثر من محل وطال مكوثها أحيا ًنا‪..‬‬
   ‫والمال قوام الأعمال‪ ..‬الأرباح ستعود إلينا سو ًّيا‪،‬‬      ‫المجنونة! ربما برح بها الفضول ورامت معرفة‬
    ‫لعشنا ولفراخنا القادمة‪ ..‬فقط لو تتدبرين معي‬        ‫أسعار الذهب‪ ،‬من يدري لعلها جربت بعض الحلي؟‬
                                                           ‫وهل مثلها يحق له أن‪..‬؟ ول َم لا؟ أوليست امرأة‬
                              ‫الأمر! سلفة والله‪..‬‬         ‫كغيرها من النساء؟ وعلى أبواب زواج ممن أبدل‬
                    ‫ـ أوه لا عليك سأتدبر الأمر‪..‬‬            ‫غفلة أيامها يقظة مزهرة بطيب مفرداته وبهاء‬
                 ‫ـ آه ليتني حرقت إلى بر الطليان!‬            ‫روحه‪ ،‬حبيبها «نادر»‪ ..‬وتلمع شاشة جوالها‪:‬‬
                      ‫ـ آه لا! لا أقوى على فراقك!‬
‫ساعتها يجثو الحبيب على ركبتيه يحاول احتضانها‬                                                     ‫‪-‬آلو‬
  ‫ومنعها من الانصراف‪ ..‬تهرع إلى حقيبتها‪ ،‬صد ًقا‬                                   ‫‪ -‬عمبو زينك حيوتة!‬
   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133