Page 132 - merit 53
P. 132

‫العـدد ‪53‬‬  ‫‪130‬‬

                                                    ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

                ‫يدك الجديدة أثقلت قلبك الصغير؟‬       ‫لا‪ ،‬لا! السيدة الرئيسة كريمة معها وتعطيها مرتبًا‬
‫المرأة السمينة التي لا تفارق العلكة حنكها ودون أن‬    ‫محتر ًما‪ ،‬بل وتمنحها غرفة مريحة وتهديها أحيا ًنا‬
‫تتزحزح من مكانها تجشأت وأردفت‪ :‬صحة صحة‬               ‫بعض الملابس والأحذية والعطور‪ ..‬ولو! مدت يدها‬
 ‫إن شاء الله حمام العرس‪ ..‬ثم دست ذراعها أسفل‬
‫الدكة وجذبت حقيبة سوداء وج َّوا ًل صغي ًرا مدتهما‬                                 ‫في الفراغ تأملتها‪..‬‬
                                                     ‫‪ -‬هذه ليست يدي! لا أظافر تحدها! انظروا حولكم‬
                                        ‫لحياة‪..‬‬
     ‫لم تبق امرأة في الحمام عجو ًزا كانت أو صبية‬           ‫لكثرة الأيدي المتشابهة! أكيد يد امرأة أخرى‬
   ‫إلا وجاءت مهرولة شبه عارية تقطر ماء ورغوة‬                   ‫تلبستني ربما سقطت يدي وأنا أغتسل!‬
   ‫وقد علا صراخك واشتد عويلك ويدك ما انفكت‬
 ‫تلطم خدك والصدر وأنت تغمغمين بكلمات مبهمة‬           ‫لا ملامح للأيدي في الضباب‪ ،‬كلها مثقلة‪ ،‬هنا ينزع‬
   ‫هجينة‪« :‬يا حليلي‪ ..‬الفلوس‪ ..‬زوز ملاين كاملين‬      ‫الجميع وجوههم ويسلخون عنها القناع تلو القناع‬

                             ‫بعت الذهب الكل‪»..‬‬            ‫ويعلقونها بخيوط رفيعة يلفونها بأصابعهم‪..‬‬
   ‫تغامزت النسوة وانصرفن غير مصدقات وزمت‬            ‫تتطاير الوجوه إلى السقف وتدمى الأصابع وتتقرح‬
                                                     ‫و ُتجتث من كفوفها أحيا ًنا‪ ،‬آه! أشياء غريبة تحدث‬
       ‫المرأة السمينة شفتيها وحكت عنقها تتصنع‬       ‫في هذا الحمام! غرائب كثيرة توشوش بها النسوة‪..‬‬
                                   ‫الاستغراب‪..‬‬       ‫امراة بلا أذرع تغتسل وتمشط شعرها الطويل! يد‬
                                                     ‫صغيرة تطفو وتغطس في حوض الماء الساخن! يد‬
           ‫‪« -‬شكون عندو الملايين في ها الوقت؟»‬
    ‫كل الحقائب تتشابه في هذا الحمام! حقيبة يدك‬         ‫مارد كبيرة بأصابع منفرجة محفورة في الجدار!‬
     ‫ُسلمت لامرأة أخرى‪ ..‬أمر عادي يحدث في كل‬           ‫وهذه التجاعيد القاسية تزحف في صمت وتحفر‬
‫المدن‪ ..‬اللعنة‪ ،‬من تكون هذه المرأة؟ أكيد كانت معك‪.‬‬  ‫مغانمها من المحيا سط ًرا وراء سطر‪ .‬يا إلهي هل أنا‬
 ‫تراها التي أعطتك نتفة السواك المر؟ ربما الأخرى‪،‬‬     ‫سا‪..‬؟ ربما نعم‪ ..‬وربما لا‪ ..‬لا‪ ،‬لست أنا! لكنها اليد‬
                                                    ‫التي تتدلى قربي وترتطم بي كل حين‪ ..‬لو أعود إلى‬
       ‫جحوظ عينيها لم يكن عاد ًّيا وسواد النقوش‬      ‫الصائغ! هل يعيد لي‪ ..‬فأعيد له‪ ..‬وأعيد الصرة إلى‬
‫المنسابة من كتفها حتى منتصف البطن كان مريبًا!‬
 ‫أو تكون عرافة ملهمة؟ يخرق نصلها جلد الحقائب‬                                 ‫مخبئها؟ لا؟ طبعا لا لا‪..‬‬
                                                       ‫سطل من الماء البارد أخرس كل الوجيب الذي ما‬
   ‫المهترئة؟ كلتاهما سبقتك للخروج‪ ،‬لا وقت لديك‬          ‫انفك يتلاطم بداخلها‪ ،‬ومن ثم أسرعت للسقيفة‬
  ‫للأحاجي‪ ،‬هيا اركضي يا حياة‪ ،‬اركضي والحقي‬            ‫حيث ارتدت ملابسها على عجل وقد تورد وجهها‬
‫بهما‪ ..‬قفي على رأسك واطلقي يديك للريح‪ ..‬لا أحد‬
‫يراك‪ ..‬لا أحد يمر بالقرب‪ ..‬مدينة أشباح! فقط بائع‬          ‫واحمر‪ .‬هكذا بدا في المرآة المزروعة في الحائط‬
 ‫الحلوى يستند إلى عربته‪ ،‬يصب قلي ًل من الكحول‬       ‫المقابل‪ .‬بحثت عن قارورة العطر فلم تجدها‪ .‬تذكرت‬
   ‫على قطنة يفرك بها أصابعه ويميل برأسه ناحية‬
  ‫القدر كمصاب بدوار‪ ..‬هل تراني؟ أنا «حياة»‪ ..‬ما‬       ‫أنها وأحمر الشفاه وكيس الحلوى في حقيبة يدها‬
  ‫هذا الوهج الأفيوني الملبد؟ أظنه الدخان المتصاعد‬    ‫المودعة مع الجوال عند حارزة الحمام‪ ..‬لحظة فقط‬
 ‫من مدخنة الحمام الوحيدة‪ .‬استدارت على أعقابها‪،‬‬
   ‫لوحت بذراعيها فانزلقت إلى الضفة الأخرى وقد‬           ‫وتفتح هاتفها وتلقي نظرة سريعة على صندوق‬
‫أخرستها لسعات البلل الباردة‪ ،‬تسمرت في الممشى‬         ‫الرسائل‪ ،‬تراه يعج بالقلوب والورود! سيسر نادر‬
 ‫المسقوف‪ ،‬تذكرت موعدها مع نادر‪ ،‬شردت ترقب‬            ‫لمرآها‪ ،‬هذه المرة ستفاجئه بمظهرها الجديد‪ :‬غيرت‬
                                                    ‫«اللوك» كما يقولون‪ ..‬ستسلمه الأمانة ويحددان كل‬
    ‫خيوط الشمس تتدلي عنيدة من النوافذ البلورية‬      ‫المواعيد المهمة القادمة‪ ..‬أقدارك تغيرت يا حياة! يليق‬
 ‫العالية‪ ،‬ارتفع شهيقها حين غزتها رائحة الأصابع‬        ‫بك هذا الحذاء بكعبه العالي‪ .‬وهذا الفستان الجديد‬

                       ‫المتحللة مع اللوز والسكر‪.‬‬         ‫ليته كان بلا أكمام‪ ،‬ليته كان قصي ًرا! وشاحك‬
                                                       ‫المنحسر لا يحجب جدائلك الندية‪ ..‬مالك تلهثين؟‬
                                                       ‫أهو شوق المحبين وشبق العاشقين؟ أم شرايين‬
   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137