Page 127 - merit 53
P. 127
125 إبداع ومبدعون
القصة في تونس
تفرس في وجهها الناعم ،ثم يصطحبها لتناول الشيء الوحيد الذي تفادى
العشاء بأحد المطاعم الفاخرة ،بعد أن يزين جيدها بيعه .قربها إلى أنفه بحذر،
بقطعة حلي «شيشخان» وهي ترتدي القفطان المطرز وتذكر أول ليلة زواج قضاها مع
بالحرير كسلطانة زمانه ،عندها يطبع قبلة على فرح ،بعد وفاة «لِلا بية» شريكة حياته
جبينها فيغمره شعور بنسيم الغسق العليل. الأولى .إن رائحتها توشك أن ُتحرك
لقد كانت أجمل حريفاته والأكثر عفوية في التعامل فيه تلك الرغبات الساخنة ُمجد ًدا .ولم يفهم
معه ،وعرف أن فكرة الزواج قد راقت لها ،بعد أب ًدا كيف كانت تقيده عقليًّا وعاطفيًّا رغم وقاره
أن أخبرها عن تجربته القاسية ،متعل ًل بالوحدة
والحرمان من العائلة. المتنامي.
دق قلبه بسرعة .هز رأسه حائ ًرا .تراجع مرة
خشي أن يكون قراره متأخ ًرا وهو يطوي الطريق
ويزيد من سرعة السيارة .سيزور فرح ،رغم أخرى وعاد إلى السيارة.
ما هذا الذي يجري؟ هل يحق لي أن أذهب إليها
الضربة المخزية التي وجهها لها ،وس ُيخفي غصته وأعانقها وأبكي بحرقة فوق صدرها .مرة أخرى
العريضة في غمرة اللقاء ،ولن يشرح لها تفاصيل
أي شيء .وكأن قوة خفية تهزه وتدفعه نحوها. قلب الأمور في رأسه ُممعنًا في الهرب.
إن كل ما تبقى له من الأكذوبة الكبرى هو صوتها لماذا لا يحكي لها خيباته الطويلة التي تزاحمت
المشحون بالدفء وهي تناديه «سيدي علي» ،وهو كالسيول .حت ًما ستصفح عنه و ُتربت على كتفه
الذي يشعر بنصل مرشوق في حلقه منذ أن ضحى بحنو وتداعب ذقنه ،وكل وجهه ،ف ُيقلع عن التذمر
حين تتلاقى العيون ،لتذوب كل جروحه كلما
بها في غمرة إفلاسه.
كانت الريح ساكنة ،بينما تقترب السحب الداكنة
وتحجب نور الشمس الساطعة .توقف على ُبعد
أشبار من البيت المهجور الذي حلَّق فوقه شبح
فرح .نزل من “المرسيدس» وقد استنفد كل صبره،
ليحاصره الصمت وهو ُيخزن في ذهنه ملامحها
الهادئة والمغرية رغم أنه يشعر بألم حقيقي .كان
يرمق النوافذ القاتمة بنظرة أسى .إن كل شيء
يزول من حوله بسرعة .لكن فرح ظلت بداخله،
رغم الإعصار الذي اقتلع حياته السابقة بكل
ُمدخرات العمر .قرع الباب والتصق به عسى أن
يسمع وقع خطواتها وهي تركض لالتقاطه من
ال ُهوة السحيقة بكلتا ذراعيها.
في تلك اللحظة ،اهتز بعنف كمن مسه تيا ٌر صاقع،
وكاد يسقط أر ًضا .لقد اصطدم رأسه بجذع
الشجرة وهو يصيح بفزع:
-ما الأمر ..أشعر بالدوار لكن عليَّ أن أغادر!
مسكه النادل من كتفه بلطف وهو يقول:
-سيدي لقد أردت إيقاظك فحسب ،وآسف ج ًّدا
بشأن السيارة ،لقد حاولنا إخماد الحريق لكن
سرعان ما التهمتها النيران..