Page 122 - merit 53
P. 122
العـدد 53 120
مايو ٢٠٢3
نصر سامي
(تونس)
عشبة الخلود
أمام حجة السواد الذي يبدو عليه جلجامش ،فهو -يا أبي ،يا أبي!
-نعم ،يا ابنتي.
عبارة على حجرة غرانيت صماء مثبتة في قار -حلمت البارحة حلما.
-خير إن شاء الله ،احكي لي.
السواد ،وهي بيضاء ورجلها أبيض! لذلك تسمعه، تلقي البنت شعرها الطويل وراءها بحركة تائهة،
تشبك يديها الاثنتين على ركبتيها ،وتنظر لوالدها
وتصم أذنيها ،فيواصل قوله« :ملكان نحن .يجوز الذي يبدو مكد ًرا ومغمو ًما .ويتناهى إليهما صوت
القطة ريكا وهي تلعب بكبة الصوف القديمة.
للملوك ما لا يجوز لغيرهم! أما هو فمن أي فج -هل قرأت ملحمة جلجامش؟
-لا ،لم أقرأها للأسف .منذ أصيبت عيناي في
جاء! لا دم ملكي يسري في جسده .الآن أنظري الحرب الأخيرة لم أعد أطيق القراءة ،الطبيب يقول
إنني سأتحسن .أعدك بالاطلاع عليها في أقرب
إليه» .تنظر المرأة إلى جلجامش المشغول بأفعى وقت .لكن ،لم هذا السؤال؟
-حلمت به ،يا أبي ،رأيته في صورتك تما ًما ،نفس
بيضاء يلاعبها كعادته في الصباحات التي يرتاح الملامح ،ونفس الصوت ،بدا لي أقل إجها ًدا منك
فقط ،وعيناه لم تكونا محوقتين ولا كليلتين كعينيك،
فيها من الترحال في حواضر المملكة ،فتراه ابنًا وكان في هيئة ملك من سلالة ملكية قديمة .راقبته
جدي ًرا بأن تكون أمه ،وتقول لزوجها« :بيديه من فجوة بعيدة ،فلم يستطع رؤيتي .كدت أقفز من
يحفر الآبار هذا الذي لا يعجبك! ويشق الأنهار! فجوتي تلك إليه ،لكنني ثبت في مكاني حين أطل
لوغال باندا ونيسون..
كم من جبل حطم ،وكم من حرب ربح! لو لم يكن
-ومن هؤلاء؟
لي فضل على الدنيا لكان جلجامش فضلي وفخاري -هما والداه!
-أكملي ،أكملي.
فيها! أنت تعيبه لأنه ليس من نسلك» .يهتز الرجل -سمعت حوارهما ،فأدركت كل شيء .قالت
نيسون لزوجها« :يظن نفسه إل ًها! لا يصدق أنه
لكلامها ،كأنه يسمعه لأول مرة ،وتضيق نفسه، مجرد بشر فان مثلنا .المسكين» .فيرد عليها لوغال
باندا« :بش ِري ومن طين وضيع أي ًضا .لا يشبهني،
ويستدير عائ ًدا إلى شرفته التي تعود أن يهرب فيها ولا أشبهه .من أي سفاح قذر ولدته ،يا داعرة!».
من تفكيره .وتلحقه المرأة متعثرة في ثوبها الطويل. لا تبدو المرأة متفاجئة بهذا الخطاب ،فلقد سمعته
ساب ًقا ،ولا تقدر على دحض ادعاءاته مهما فعلت
ويجلسان ،وأمامهما يقف جلجامش ملاعبًا حيته
الرقطاء بمرح.
-جلجامش لقيط ،وولد زنى؟
يتساءل الأب ،لكنه لا يبدو مستغر ًبا .فمن طبيعة
الملوك أن يتزاوجوا دون قيود .ولا ترد البنت.
حياؤها يمنعها من إبداء رأيها ،والحق أن هذا الأمر
كله لم يجل بفكرها .فما الذي قد يهمها إن كان ابن
زنى أو ابن زواج حقيقي! وفي تلك اللحظة هجمت
عليها قطتها ريكا ،فنهرتها بلطف ،وأعادت شعرها
النافر إلى الخلف ،وعقدت يديها بإحكام .وفاجأها
والدها وهو ينقر على جهازه الهاتفي بالقول:
مبسشرمارييةرافعدلىيا.ثنو ْييقتعرشبرة -ملحمة جلجامش كتابة
لوح طيني ،هي أقدم نص