Page 156 - merit 53
P. 156

‫بول ريكور‬                          ‫طبيعة النص الإبداعي أن يميل‬

              ‫اللغة‬                                           ‫إلى معجم يتلاءم مع سياقه‬

 ‫اللغة هي الأداة الأولى التي يستطيع الأديب‬                ‫الثقافي ويناسب بنيته الزمانية‬
   ‫من خلالها نقل تجاربه إلى الآخرين‪ ،‬فاللغة‬
                                                         ‫والمكانية‪ ،‬ويظهر هذا جل ًّيا في‬
‫تمثل قوام النص الأدبي‪“ ،‬فض ًل عن الوجه المادي‪،‬‬             ‫تنوع الأشكال الحوارية ووجوه‬
  ‫وج ًها حيًّا يأتيها من الكلام الذي يح ِّدد مقصدها‪،‬‬
    ‫لأن اللغة مادة حية يستخدمها المتكلم في زمان‬             ‫العلاقات التي تنسجها داخل‬
     ‫وبيئة محددين”(‪ ،)1‬فاللغة في العمل الفني تعد‬
   ‫مرآة العالم؛ لأنها وسيلة التواصل الشفاهي مع‬              ‫الخطاب الروائي‪ ،‬فهي وسيلة‬
     ‫المكتوب‪ ،‬فالخطاب الروائي يستمد وجوده من‬
  ‫لغة الواقع‪ ،‬وهذه اللغة الحية التي ترد في الرواية‬             ‫للتعبير عن ذواتنا‪ ،‬ووسيلة‬

‫تعطي “متس ًعا لكل أنواع الكتابة وأساليبها ولكلام‬           ‫للتواصل المعرفي مع الآخرين‪،‬‬
 ‫أصحاب المهن والأجيال واللهجات الاجتماعية”(‪،)2‬‬
                                                           ‫فهي كما يرى بول ريكور بيت‬
   ‫في الظهور‪ ،‬فالكاتب يستخدم تعدد الأصوات في‬
  ‫روايته من أجل إثراء النص الروائي‪ ،‬ومن طبيعة‬            ‫الوجود‪ ،‬الذي يقيم فيه الإنسان‪،‬‬
‫النص الإبداعي أن يميل إلى معجم يتلاءم مع سياقه‬
‫الثقافي ويناسب بنيته الزمانية والمكانية‪ ،‬ويظهر هذا‬      ‫وهؤلاء الذين يفكرون بالكلمات‬
  ‫جليًّا في تنوع الأشكال الحوارية ووجوه العلاقات‬
  ‫التي تنسجها داخل الخطاب الروائي‪ ،‬فهي وسيلة‬          ‫ويحرجونها هم حراس ذلك البيت‪.‬‬
   ‫للتعبير عن ذواتنا‪ ،‬ووسيلة للتواصل المعرفي مع‬
‫الآخرين‪ ،‬فهي كما يرى بول ريكور “بيت الوجود‪،‬‬                ‫بين شفتيها دعوات وأمنيات ما ظنت‬
                                                        ‫يو ًما أنها تسكنها‪ ،‬وفجأة اندفعت من عنينها دموع‬
     ‫الذي يقيم فيه الإنسان‪ ،‬وهؤلاء الذين يفكرون‬
      ‫بالكلمات ويحرجونها هم حراس ذلك البيت‪،‬‬                 ‫غزيرة كأنها كانت تنتظر تلك اللحظة لتنهمر”‪.‬‬
                                                             ‫تجنب الاحتكاك بالمتشردين‪ ،‬وهو ما يظهر في‬
 ‫وحراستهم تحقق الكشف عن اللغة‪ ،‬ومتى تحققت‬              ‫قصة “شارع” حين تجنب المارة الرجل الذي وقف‬
                                                          ‫يبول في منتصف الطريق‪ ،‬يقول الراوي‪“ :‬كتمت‬
                                                           ‫النسوة شهقاتهن وهن يحرصن على عدم النظر‬
                                                          ‫إليه‪ ،‬تستغيث أعينهن بالطريق أمامهن‪ ،‬ويسرعن‬
                                                             ‫الخطى لبلوغه‪ ..‬فيما أشاح الرجال بوجوههم‬
                                                            ‫بعي ًدا عن المشهد‪ ،‬ولجأ بعضهم لجانب الطريق‬
                                                        ‫احتماء من رذاذ بوله‪ ،‬انتظروا حتى انتهى وأسكن‬
                                                        ‫عضوه مكمنه‪ ،‬غير عابئ بإعادة الزرار إلى عروته‪،‬‬

                                                                          ‫وانصرف عن الجميع بهدوء”‪.‬‬
                                                          ‫التعامل مع الموت في “المحجر”‪ ،‬نقل الميت ورؤية‬
                                                          ‫أحبته له حتى وهو مهشم الرأس‪ ،‬يقول الراوي‪:‬‬
                                                           ‫“انتفض جسدي الضئيل من رأسي‪ ،‬وعيناي ما‬
                                                          ‫زالتا معلقتين بأثر الرجال المنطلقين نحو الجبل‪..‬‬
                                                        ‫بل نحو عليٍّ‪ .‬انتفض جسدي الضئيل وأنا أرى على‬
                                                          ‫المدى ما يشبه الجنازة؛ جمع لا يتخطى الخمسة‬
                                                        ‫يحملون جس ًدا فوق رؤوسهم ويهرولون نحونا”‪.‬‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161