Page 152 - merit 53
P. 152

‫العـدد ‪53‬‬  ‫‪150‬‬

                                                    ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

     ‫وتصف الرجل أي ًضا‪ ،‬تقول الكاتبة على لسان‬             ‫الإنسان الأمان الذي يأوي إليه في كل لحظة‪،‬‬
   ‫الراوي في “شارع”‪“ :‬كما أن للصمت حلاوة لا‬          ‫فيرحل بعي ًدا‪ .‬بتلك الكلمات تبدأ رحلتنا مع “سرير‬
 ‫تخطئها الأذن‪ ،‬ولا يملها القلب‪ ،‬كان للشكل جمال‬
  ‫لا تحيد عنه العيون‪ ،‬فالجسد بض ممشوق‪ ،‬تبدو‬                                                 ‫فارغ”‪.‬‬
‫معظم تفاصيله في سفور غير معتاد‪ ،‬ذاك “الجيب”‬            ‫القصة الأولى تحمل اسم “إيزيس”‪ ،‬الاسم ينقلنا‬
                                                      ‫إلى عالم الإلهة المصرية القديمة‪ ،‬إلى الإلهة إيزيس‬
      ‫الذي يأبى مغادرة الجزء العلوي من فخذين‬          ‫ملكة العرش التي قامت بإحياء زوجها أوزوريس‬
  ‫بيضاوين ممتلئين‪ ،‬يأسره اللهو على حافة ملتوية‬
                                                         ‫بعد مقتله‪ ،‬وقامت بتجميع أشلائه المتناثرة من‬
    ‫مشدودة الجلد‪ ،‬تلعوه “بلوزه” قصيرة‪ ،‬فقدت‬          ‫مصر القديمة‪ ،‬لبطلة القصة التي تجوب كافة بقاع‬
   ‫أكمامها عنوة‪ ،‬فأعلنت في غير خجل عن ذراعين‬
  ‫مستديرين‪ ،‬يغمرهما نمش محبب‪ ،‬ينحدر النمش‬               ‫مصر بحثًا عن زوجها الذي يتجسد فجأة أمام‬
 ‫باحثًا عن ضالة تتخفى بين نهدين شهيين‪ ،‬تنطلق‬            ‫ناظرها في صورة ذلك الفتى الذي قابلته داخل‬
                                                        ‫القطار وقام بمساعدتها‪ ،‬فرأت في صورته التي‬
                      ‫في شموخ وغرور مستحق‪.‬‬          ‫تتجسد أمامها زوجها المفقود‪ ،‬والذي تجوب أراضي‬
   ‫وبين الأصابع المنتهية بطلاء أحمر فاقع‪ ،‬تستقر‬     ‫مصر في رحلة بالقطار للبحث عنه‪ .‬فالحكاية الأولى‬
 ‫سيجارة “‪ ”L.M‬أزرق‪ ،‬ورغم ذلك لم تحظ بذؤابة‬                ‫تبدأ بالبحث‪ ،‬البحث عن الأحبة‪ ،‬عن الزوج أو‬
  ‫مشتعلة بعد‪ ،‬إلا أن صاحبتها تدخنها في استمتاع‬      ‫الحبيب الذي يتجلى في عدد من الحكايات‪ ،‬والبطلات‬
   ‫منقطع‪ ،‬تتخلل بها مقاطع أغنتيها‪ ،‬فلا يكاد يعي‬          ‫في طريقهن للبحث عن المحبوب‪ ،‬انتقا ًل للأبناء‬
  ‫من ينظر إليها‪ ،‬أمن تلك السيجارة الوهمية المذاق‬        ‫وبحث الأم عن صغارها‪ ،‬والبحث عن الصديق‪،‬‬
 ‫تتبدى متعتها‪ ،‬أو من كلمات ولحن أغنيتها يتمايل‬
                                                           ‫والذكريات مع الفتيات الصغيرات والحديقة‪،‬‬
                                      ‫جسدها”‪.‬‬        ‫والبحث عن الملجأ من العبث الذي نقع فيه دون أن‬
‫في المشهد السابق‪ ،‬تصف الكاتبة المرأة التي تتجسد‬       ‫ندري‪ ،‬والانتهاء بمحطات الانتظار التي لا تتوقف‬
‫بصفات خليط ما بين الذكورة والأنوثة بعيني امرأة‬
                                                                    ‫والتي تتركنا نحن في انتظار دائم‪.‬‬
     ‫ترصد وتكتب وتحلل‪ ،‬وتتبين كافة التفاصيل‪.‬‬           ‫يغلب على قصص المجموعة الشخصية النسوية‪،‬‬
   ‫وترصد أي ًضا الرجل الذي يحاول السيطرة على‬
    ‫الطريق الذي يعبر منه الجميع‪ ،‬فتجسد مشه ًدا‬             ‫فـ”إيزيس” بطلتها امرأة‪ ،‬و”ناجية” بطلتها‬
  ‫عرضيًّا يقع في الشارع بعيون امرأة كاتبة‪ ،‬تقول‬       ‫امرأة‪ ،‬و”الولي” بطلتها امرأة‪ ،‬و”قميص أخضر”‪،‬‬

     ‫على لسان الراوي في “شارع”‪“ :‬توسط رجل‬                ‫والحديقة‪ ،‬والطاحونة‪ ،‬وفراشة خضراء‪ ،‬وتلك‬
    ‫خمسيني حرم الشارع‪ ،‬واجه القادمين بوجهه‬                ‫الوردة‪ ،‬وضوء أحمر‪ ،‬وأغا‪ .‬تغلب الشخصية‬
‫وجسده‪ ،‬حاول الناس تجنب الاصطدام به‪ ،‬خاصة‬                ‫النسائية على القصص‪ ،‬وهنا يبدو حضور المرأة‬
   ‫على ما يبدو عليه من تشرد‪ ..‬وفجأة فتح الرجل‬         ‫كجزء فاعل من المجتمع وليس كشخصية مهمشة‬
  ‫زرار بنطاله المهترئ‪ ،‬أشهر رجولته‪ ،‬غير آب ٍه بكل‬         ‫يفعل بها ولا تفعل‪ ،‬وتخضع للنظام الذكوري‬
   ‫ما و َمن حوله‪ ،‬ووقف يتبول في عرض الطريق‪..‬‬             ‫الأبوي وتؤمر فتطيع‪ ،‬هنا المرأة فاعل وليست‬
   ‫أشاح الرجال بوجوههم بعي ًدا عن المشهد‪ ،‬ولجأ‬       ‫مفعو ًل به‪ ،‬تدير حياتها رغم الفقد والألم والوحدة‪،‬‬
                                                     ‫تمارس حياتها وتبحث عن حبيبها‪ ،‬وعن الذكريات‬
           ‫بعضهم لجانب الطريق احتما ًء من رذاذ‬          ‫التي تجمعها بكل الأمور التي تجعلها تتماسك‪،‬‬
                ‫بوله‪ ،‬انتظروا حتى انتهى وأسكن‬
                                                               ‫وتقاوم ما تشعر به من ألم ومن حنين‪.‬‬
           ‫عضوه مكمنه‪ ،‬غير عابئ بإعادة الزرار‬            ‫كما يظهر داخل المجموعة نسق خاص بالكتابة‬
                 ‫إلى عروته‪ ،‬وانصرف عن الجميع‬             ‫النسوية‪ ،‬حيث تدون المرأة عن المرأة من عيون‬
                                       ‫بهدوء”‪.‬‬          ‫امرأة كاتبة وليس رج ًل كما هي العادة‪ ،‬فتقاوم‬
                                                      ‫هنا الصورة النمطية التي يصف بها الرجل المرأة‪،‬‬
             ‫يظهر عالم الرجل المنهار والذي يترك‬     ‫فتصف الكاتبة جسد المغنية بعي ًدا عن نظرة الرجل‪،‬‬
               ‫العالم للمرأة المكلومة في “المحجر”‪،‬‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157