Page 157 - merit 53
P. 157

‫نون النسوة ‪1 5 5‬‬                                        ‫اللغة تصبح قوة تكشف وتظهر وتجلي”(‪ ،)3‬فاللغة‬
                                                           ‫تصبح أداة غير محايدة عندما تصطبغ بالأطر‬
    ‫إلى سمعها”‪ ،‬وفي “ناجية” يتردد الحوار الذاتي‬
   ‫للرواة‪ ،‬يقولون‪“ :‬ألم تسمعينا؟! نسينا ألا صوت‬        ‫المعرفية والاجتماعية للأفراد‪ ،‬فتحمل بإيديولوجية‬
                                                         ‫النموذج المعرفي السائد‪ ،‬ومعه تصبح اللغة كيا ًنا‬
                                           ‫لنا‪..‬‬           ‫قو ًّيا يهيمن على الإنسان ويسيطر على عواطفه‬
  ‫مسكينة أنت يا أم سليم‪ ،‬ستبحثين كثي ًرا‪ ،‬وحدك‬                                            ‫وأحاسيسه‪.‬‬

                    ‫ستبحثين‪ ،‬ووحدك ستتألمين‪..‬‬          ‫فاللغة إذن هي الوعاء الذي يقدم الكاتب من خلاله‬
              ‫فمن بقي‪ ،‬من عاش‪ ،‬وحده سيتألم‪..‬‬          ‫حكاياته‪ ،‬وهي العنصر الرابط بين المراسل والمرسل‬

                               ‫ووحدك الناجية‪..‬‬           ‫إليه‪ ،‬تغلب على المجموعة المشاهد الوصفية‪ ،‬فنجد‬
   ‫من بين حينا المقصوف‪ ،‬وحدك الناجية‪ ،‬أصابتنا‬             ‫وصف للقطار والعربات‪ ،‬والمسافرين‪ ،‬ولحظات‬
                                                        ‫الانتظار على المحطة‪ ،‬والأوقات المختلفة التي تدور‬
     ‫القذائف جمي ًعا‪ ،‬وأخطأتك‪ ،‬لتتألمي وحدك يا أم‬        ‫فيها الأحداث‪“ ،‬الوقت فجر”‪ ،‬و”الصبح يخشى‬
                                        ‫سليم”‪.‬‬          ‫المجيء”‪ ،‬و”صوت طقطقة منتظمة يخترق سحب‬
                                                          ‫الدخان الخانقة‪ ،‬ثمة خطوات ملتاعة تصدر ذلك‬
  ‫كما يتردد الصوت الداخلي لأم سليم‪ ،‬تقول‪“ :‬أين‬            ‫الصوت”‪ ،‬و”خطوات قدمين حافيتين لامرأة في‬
       ‫الناجون‪ ،‬أين زوجي وأبنائي‪ ،‬أين صديقاتي‬
                                                           ‫الأربعينات”‪ ،‬استخدمت الكاتبة الجمل الفعلية‬
‫وجيراني‪ ،‬أين حيواناتهم الأليفة‪ ،‬بل أين الحياة؟!”‪.‬‬         ‫والجمل الاسمية‪ ،‬لكن غلبت الجمل الاسمية على‬
   ‫في “الولي” ينقل لنا الراوي الأفكار التي تدور في‬
    ‫عقل البطل‪ ،‬يقول‪“ :‬عاد ليتنهد وهو يتساءل في‬               ‫الفقرات‪ ،‬دون استخدام الأفعال‪ ،‬لتأكيد فعل‬
                                                         ‫الإخبار عن الأحداث القاتمة والحزن الذي يجثم‬
 ‫نفسه عن السبب الذي ساق تلك الجميلة التي يبدو‬          ‫على الصدور‪ .‬تقول الكاتبة‪“ :‬ملابس تزيح‪ ،‬أعضاء‬
‫من ملابسها رغد العيش‪ ،‬إلى ضريح ول ٍّي لا يقصده‬        ‫بشرية مبتورة‪ ،‬أنا وحدي‪ ،‬أرقام ساعتها الصغيرة‬
 ‫سوى العامة‪ ،‬ترى أي دعوة لم تستجب لها قررت‬            ‫تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل‪ ،‬راحت بعينيها‬
                                                       ‫إلى النافذة ثانية شاخصة حيث اللاشيء‪ ،‬أسموها‬
  ‫أن تستعين بالمقام علها تستجاب؟”‪ .‬يكمل الراوي‬        ‫مجنونة‪ ،‬غبية‪ ،‬متجنبة الزحام‪ ،‬الوقت فجر‪ ،‬نظراتها‬
   ‫مهمته في نقل ما يدور داخل عقل الكاتب البطل‪،‬‬            ‫لاهثة كأنفاسها‪ ،‬همهمات صوتها غير مفهومة‪،‬‬
                                                       ‫تلك أم سليم‪ ،‬نعم عرفناها‪ ،‬بقايا أثاث‪ ،‬حطام لعب‪،‬‬
 ‫يقول‪“ :‬ابتسم ساخ ًرا من سؤاله‪ ،‬وهو يذكر نفسه‬          ‫إنهم هنا‪ ،‬قلنا إنهم جمي ًعا بجوارنا‪ ،‬مسكينة أنت يا‬
     ‫أنه مثلها تما ًما‪ ،‬لم تطأ قدماه مثل تلك الأماكن‬   ‫أم سليم‪ ،‬وحدك ستبحثين‪ ،‬ووحدك تتألمين‪ ،‬ثلاثة‬
                                                          ‫أشهر كاملة وهي تقاوم‪ ،‬خليط مميز من رائحة‬
 ‫قب ًل‪ ،‬ولا يدري لم ساقتاه إلى هنا‪ ..‬فإذا بتلك القبة‬     ‫عرقه وعطره‪ ،‬الشارع يسكنه الصمت‪ ،‬والصمت‬
                   ‫والحشد يدفعه دف ًعا للدخول”‪.‬‬
                                                            ‫ضيف غريب‪ ،‬فالعيون المرتقبة كثر‪ ،‬والأفواه‬
‫أما الحوار المزدوج فكان له النصيب الأقل من اللغة‬        ‫المتدلية شب ًقا أكثر‪ ،‬والصوت يدوي‪ ،‬وحده يدوي‪.‬‬
    ‫المستخدمة داخل المجموعة‪ ،‬ففي “إيزيس” ورد‬
     ‫حوار بسيط بين البطلة والبطل‪ .‬يقول الراوي‪:‬‬             ‫تنقسم اللغة داخل النص إلى لغة وصفية ولغة‬
                     ‫سألها بصوت ينطق احتواء‪:‬‬            ‫حوارية‪ ،‬اللغة الوصفية توظف هنا بشكل متميز‪،‬‬
                       ‫‪ -‬أتردين الذهاب للحمام؟‬           ‫ترصد من خلالها الكاتبة الحياة وتفاصيل العالم‬
   ‫أومأت برأسها في تردد ولم تنطق‪ ،‬فمد إليها يده‬
                                          ‫قائ ًل‪:‬‬          ‫المحيط بالأبطال‪ .‬الحوار الذاتي كان له حضور‬
                    ‫‪ -‬يمكنني مساعدتك‪ ..‬تفضلي‪.‬‬          ‫لافت‪ ،‬ففي “إيزيس” نرى حوار البطلة مع نفسها‪،‬‬
     ‫في “الولي” يدور الحوار بين الأبطال‪ ،‬ينقله لنا‬
                                 ‫الراوي‪ ،‬فيقول‪:‬‬           ‫تقول عن صوت النساء الذي أيقظها من نومها‪:‬‬
    ‫“بينما هو على حال التأمل تلك‪ ،‬لا يكاد يخفض‬          ‫“انتفضت بعد دقائق على وقع تسلل تلك الكلمات‬
      ‫عينيه عن وجهها وشفتيها اللاهجتين بالدعاء‬
   ‫اللاهف الصامت‪ ،‬حانت منها التفاتة‪ ،‬لم يستطع‬
       ‫على إثرها تدارك شروده‪ ،‬إلا أن شهقة عالية‬
   ‫وانتفاضة أصابت جسدها وجعلتها تعود خطوة‬
   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162