Page 162 - merit 53
P. 162

‫العـدد ‪53‬‬                           ‫‪160‬‬

                                                                                           ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

 ‫إليه شمس الشموس بقوله «لأهل‬                                                  ‫وجوده إلى نعت موجوده‪ ،‬آنذاك‬                         ‫الحضرة الإلهية‪ ،‬أما في معظمه‬
     ‫السماع إشارات يعرفون بها‪.‬‬                                                                                                      ‫فهو تمثيل‪ ،‬إيحاء بمحاولة لم‬
    ‫وما كل متحرك تحرك بوارد»‪،‬‬                                                 ‫تتفتح أبواب الملكوت‪.‬‬                              ‫تحدث أص ًل‪ ،‬يحدد أبو الغيث بن‬
      ‫الأمر إ ًذا يشبه فرق التحدث‬                                                                                              ‫جميل القاعدة‪ ،‬بثلاث عبارات تشبه‬
                                                                              ‫شروط السماع تأطير يدخل الذات‬                      ‫نقر الظباء (من طلب السماع بحظ‬
 ‫بلغتين مختلفتين‪ ،‬علامات المتكلف‬                                                                                                ‫نفسه فقد أنكر‪ ،‬ومن طلب الوجد‬
   ‫لغة يعرفها أرباب السماع‪ ،‬حال‬                                               ‫في تحديات مع نفسها‪ ،‬أمر يشبه‬                     ‫بالتواجد فقد تكلف‪ ،‬وأهل السماع‬
                                                                                                                                    ‫على الحقيقة قل ٌب شاه ٌد وعي ٌن‬
‫المتكلف بدعوى زائل‪ ،‬وحال الواجد‬                                               ‫لعبة شد الحبل بين الذات ونفسها‪،‬‬
   ‫بحق دائم‪ ،‬حال المتكلف بدعوى‬                                                                                                                         ‫ناظرة)‪.‬‬
     ‫تظهر فيه عاديته‪ ،‬وعيه بذاته‪،‬‬                                             ‫تفاوت الاستعدادت بين المشاركين‬                     ‫إشارية الشذرة تتيح لها تجميع‬
                                                                                                                                 ‫عدة محمولات‪ ،‬كل جملة التماعة‬
‫صفاتها البشرية‪ .‬حال الواجد بحق‬                                                ‫أمر لا مفر منه‪ ،‬لطالما عرف تاريخ‬                     ‫نافذة‪ ،‬تجتمع فيها القاعدة وما‬
 ‫تظهر فيه مفارقة الطبيعة العادية‪،‬‬                                                                                              ‫يترتب عليها‪ ،‬ومن وراء ذلك جملة‬
  ‫لا وعي فيه بالذات ولا بصفاتها‬                                               ‫السماع مدعين يتكلفون التواجد‪،‬‬
‫البشرية‪ .‬تعبير المتكلف عن التجربة‬                                                                                                                ‫من المضمرات‪.‬‬
 ‫لا يتجاوز حدود التقليد والتشبه‪،‬‬                                              ‫بعضهم عن سوء فهم‪ ،‬وبعضهم‬                          ‫تعتبر الجملة الأولى طالب السماع‬
 ‫تعبير الواجد بحق بصمة لا تشبه‬                                                ‫استعجا ًل لاختبار ثمار الوجد‪ ،‬لا‬                 ‫بحظ نفسه منك ًرا‪ ،‬في الانكار جملة‬
‫غيرها إلا في كوننا نسميها بصمة‪.‬‬
                                                                              ‫بد دائ ًما من متواجد سليم القصد‪،‬‬                      ‫من السقطات الروحية‪ ،‬المنكر‬
   ‫حال الواجد بحق طبيعة تتجدد‬                                                     ‫متواجد لا يكون مدعيًا متكل ًفا‬                 ‫يعجز عن إدراك لطائف السماع‪،‬‬
    ‫بمقدار ما تتعمق‪ ،‬التعمق يعني‬                                                 ‫قدر كونه يتشوق لتجريب لذة‬
   ‫التمكن في الولاية‪ ،‬التجدد يعني‬                                                                                                  ‫كنهه والمعنى الباطن له‪ ،‬طالب‬
  ‫تعرض الحال لتحديثات متوالية‪،‬‬                                                ‫الوجد نفسه‪ ،‬يتشوف لملامسة‬                         ‫السماع بحظ نفسه مثبت لماديتها‪،‬‬
     ‫فهو باق متجدد زائد في نفس‬
   ‫الوقت‪ .‬هو أي ًضا حال لا يتحدد‬                                              ‫هذا الغامض الذي يخبرون عنه‪،‬‬                            ‫فيما المطلوب منه نكران حظ‬
   ‫لأنه أسرار إلهية‪ ،‬لهذه الأسباب‬                                                                                                  ‫نفسه‪ ،‬نكران حظ النفس إثبات‬
   ‫اعتبروه نو ًعا من الخلق الجديد‬                                                 ‫العارفون ظلوا دائ ًما يغضون‬                  ‫لروحانيتها‪ ،‬لإمكانية أن تجد ذاتها‬
‫للعارف‪ ،‬بعضهم وصفه بـ(المسألة‬                                                 ‫الطرف عن سليم القصد(‪ ،)9‬لكنهم‬                    ‫العليا‪ ،‬أن تطلب السماع بحظ الحق‬
    ‫الغامضة)‪ ،‬المسألة الغامضة في‬                                                                                                   ‫منك‪ .‬فأنت تثبت حظك منه في‬
‫الإصطلاح الصوفي تفسير إشاري‬                                                   ‫ظلوا يقفون للمدعين بالمرصاد‪ ،‬ثمة‬                 ‫الوقت عينه‪ ،‬أما الجملة الثانية فهي‬
   ‫ل َقخ ْلو ٍلقه َتج ِدعايلٍدى»‪َ «،‬بو ْاللم ُعهنْمى ِأفنَل ْبال ٍوسا ِجمدْن‬                                                       ‫تعبير عن مقت وقائع التواجد‪،‬‬
‫عارف يتجدد وجوده لحظة بلحظة‪،‬‬                                                  ‫شاب كان يصحب الجنيد‪( ،‬كان‬                         ‫إنها تكلف مفضوح‪ ،‬مجرد عرض‬
                                                                                                                                  ‫تمثيلي لا يتحقق الوجد به‪ ،‬كنه‬
      ‫فناء يعقبه بقاء‪ ،‬وبقاء يعقبه‬                                            ‫إذا سمع الذكر يزعق)‪ ،‬لم يحتمل‬                        ‫الوجد أبعد من هذا بكثير‪ .‬كنه‬
                        ‫فناء(‪.)12‬‬                                                                                                  ‫الوجد سوف تشخصه الجملة‬
                                                                              ‫الجنيد تكرار ذلك منه‪ ،‬ذات يوم‬
‫المؤكد أكثر من ذلك أن الفوارق بين‬                                                                                                   ‫الثالثة‪ ،‬وهنا سيغادر التعبير‬
  ‫الحالين فيها ما لا تؤديه الصفة‪،‬‬                                             ‫قال له «إن فعلت ذلك مرة أخرى‬                        ‫صيغة الشرط وجوابه‪ ،‬سيتخذ‬
                                                                                                                                   ‫صيغة تعريفية أكثر قطعية في‬
‫ما يفهمه أرباب السماع إما بتراكم‬                                              ‫لم تصحبني»(‪ .)10‬وسمع ذو النون‬                    ‫دلالتها (وأهل السماع على الحقيقة‬
   ‫تجاربهم‪ ،‬وإما بخفايا أسرارهم‬                                                                                                  ‫قلب شاهد وعين ناظرة)‪ .‬شهود‬
                                                                                           ‫شدو القوال‪:‬‬                             ‫القلب هو فناء عن نفسه‪ ،‬فقده‬
‫ولا يعبرون عنه‪ .‬هذا يجعلنا نتأمل‬                                                           ‫َف َ َكصيغ َيفُر ِب َ ِههوإِاذ َاك‬      ‫الحس المادي‪ ،‬انفلات من نعته‬
   ‫الشذرة الغيثية مرة ثانية «لأهل‬                                             ‫َعذ َبني‬                                          ‫وصفته البشرية‪ ،‬خروج من نعت‬
                                                                              ‫اِح َت َنكا‬
 ‫السماع إشارات يعرفون بها‪ .‬وما‬                                                ‫َو َأن َت َج َمع َت ِمن َقلبي‬
                                                                              ‫َهو ًى َقد كا َن ُمش َت ِركا‬

                                                                                   ‫َأما َترثي ِلُك َتئِ ٍب‬
                                                                                       ‫إِذا َض ِح َك ال َحزي ُن َبكى‬
                                                                              ‫فقام يدور ثم صرخ‪ :‬الله‪ ..‬وسقط‬

                                                                                           ‫على وجهه‪.‬‬

                                                                              ‫في تلك اللحظة قام أحد الحاضرين‪،‬‬

                                                                              ‫وقبل أن يشرع في الدوران‪ ،‬صرخ‬
                                                                              ‫ذو النون‪« :‬ال ِذي َي َرا َك ِحي َن َت ُقو ُم»‪،‬‬
                                                                              ‫جلس الرجل مبهو ًتا‪ .‬كان ذو النون‬
                                                                              ‫يشير إلى انكشاف ادعاء الرجل‬

                                                                                           ‫وتكلفه(‪.)11‬‬

                                                                              ‫تحدي الانكشاف هو ما يشير‬
   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167