Page 163 - merit 53
P. 163

‫‪161‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

     ‫فنا ًء فهو كمال الكمال قط ًعا»‪.‬‬     ‫موجود‪ ،‬أما رابعهم فقد ذاب في‬              ‫كل متحرك تحرك بوارد»‪.‬‬
 ‫تحت الدلالات الظاهرة أي ًضا أكثر‬             ‫البحر ولم يبق منه شيء‪.‬‬          ‫في الشذرة الآتية تتوالج الحواف‬
  ‫من مغزى للمفاضلة‪ ،‬أكثرها دقة‬
‫المفاضلة بين الصديقين والعارفين‪،‬‬           ‫تحت الدلالات الظاهرة لنص‬              ‫كلها‪ ،‬الدلالات المتعددة للجمل‬
                                       ‫الشذرة سنكتشف حد ًثا وجود ًّيا‪،‬‬          ‫تتحول إلى منصات إطلاق‪ ،‬كل‬
      ‫الصديقية درجة من درجات‬                                                 ‫دلالة تصيب هدفها‪ ،‬هكذا ترتسم‬
   ‫الولاية‪ ،‬أما المعرفة فهي الولاية‬       ‫في أحد مستويات هذا الحدث؛‬         ‫الشذرة‪« :‬السماع للمبتدئين حجاب‬
 ‫في كامل تحققها‪ ،‬لذلك كان تعبير‬       ‫ستلفتنا كيفية انخراط ذات السامع‬
  ‫أبي الغيث دقي ًقا ج ًدا‪ ،‬فـ»السماع‬                                              ‫من تشتيت الغفلة‪ ،‬والسماع‬
                                            ‫في لعبة تتم على أرضية غير‬       ‫للمتوسطين نظر‪ ،‬فإن لم يكن نظ ًرا‬
      ‫للصديقين سعة في الأحوال‬         ‫مأمونة‪ ،‬أستلهم هذا التوصيف من‬
‫وترقيات في الخصوصية بالله‪ ،‬أما‬        ‫قول الجبرتي‪« :‬السماع هو الصفاء‬          ‫فهو دعوى‪ ،‬والسماع للصديقين‬
                                                                                 ‫سعة في الأحوال وترقيات في‬
   ‫العارف فلا سماع له قط ًعا‪ ،‬لأن‬          ‫الزلاق‪ ،‬لا تثبت عليه إلا أقدام‬       ‫الخصوصية بالله‪ ،‬أما العارف‬
  ‫العارف يسمع من الوجود كله»‪.‬‬                             ‫الرجال»(‪.)13‬‬
‫الصديق في حال تدريج كي يتحقق‬                                                   ‫فلا سماع له قط ًعا‪ ،‬لأن العارف‬
  ‫بكمال الولاية‪ ،‬لذلك فإن سماعه‬         ‫ممارسة اللعبة على صفاء َزلاق؛‬        ‫يسمع من الوجود كله»‪ ،‬الدلالات‬
                                         ‫هي لعبة توازن في المقام الأول‪،‬‬       ‫الظاهرة‪ ،‬أقصد ما نقرأه مباشرة‬
    ‫أرضية خصبة للإضافة إلى ما‬          ‫لا يتم التوازن عن طريق الجسد‪،‬‬
  ‫عنده (سعة في الأحوال وترقيات‬                                                    ‫من سطح الكلام‪ ،‬هو تدريج‬
                                           ‫التوازن في يد الروح‪ ،‬لا دور‬        ‫طبقات السامعين في سلم كوني‪،‬‬
     ‫في الخصوصية)‪ ،‬أما العارف‬              ‫للجسد فيه‪ ،‬نفس الأمر حين‬
  ‫فقد تجاوز هذه المرحلة‪ .‬وذلك ما‬        ‫نشبهه بلعبة شد حبل بين الذات‬            ‫لنتخيل تجربة أربعة أشخاص‬
                                        ‫ونفسها‪ ،‬لكن الأمر هنا من حيث‬            ‫مع البحر؛ أولهم على الشاطيء‬
     ‫سنبينه في ختام هذه المقاربة‪.‬‬         ‫الدلالة أكثر عم ًقا‪ ،‬الانتصار في‬    ‫يتأمل البحر ويلامس الماء بيديه‬
  ‫ثمة شذرات تنطلق من استبطان‬           ‫اللعبة يعني تلاشي الذات‪ ،‬فناؤها‬        ‫وقدميه‪ ،‬ثانيهم على مركب يمخر‬
                                        ‫التام عن نفسها‪ .‬لكن فناء الذات‬       ‫عبابه‪ ،‬قد يبتل بمائه وقد لا يبتل‪،‬‬
        ‫التجربة في أعمق أعماقها‪،‬‬        ‫يعني كمالها في الوقت عينه‪ ،‬هذا‬       ‫وقد يكون عار ًفا بالبحر أو مجرد‬
   ‫الاستبطان هنا يتضمن التدقيق‬           ‫قول أبي الغيث بن جميل أي ًضا‪:‬‬      ‫راكب فحسب‪ ،‬ثالثهم غواص ماهر‬
                                      ‫«الوجد هو الكمال‪ ،‬فإذا كان الوجد‬        ‫فهو في الماء؛ لكن كيانه الجسدي‬
        ‫والتحليق في الوقت نفسه‪،‬‬
 ‫تخصيص إسناد السماع إلى نخبة‬
‫النخبة (سماع أهل الحقيقة‪ ،‬أرباب‬

   ‫السماع‪ ،‬أهل الحضرة) تدقيق‪،‬‬
 ‫كذلك التفكير‬
  ‫في الأمر من‬
  ‫خلال نسبية‬
  ‫وقوعه ‪-‬كما‬

     ‫سيتبين‪-‬‬
  ‫تدقيق أي ًضا‪،‬‬

    ‫أما اعتماد‬
   ‫العبارة على‬
  ‫التخييل فهو‬
‫التحليق‪ .‬يقول‬
 ‫أبو الغيث بن‬
‫جميل‪« :‬سماع‬
  ‫أهل الحقيقة‬
   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168