Page 161 - merit 53
P. 161

‫‪159‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

    ‫امتداد النص فيما قبله‪ ،‬وحافة‬       ‫من كبار أهل السماع(‪ .)4‬وكل من‬      ‫طبيعة الفعل‪ ،‬من دفق الفيوضات‬
         ‫الذات المنخرطة في اللعبة‪.‬‬       ‫اتصل بهم من الشيوخ في فترة‬          ‫المتناغمة‪ ،‬إذا كانت الفيوضات‬
                                        ‫ما بين شيخيه كانوا أهل سماع‪،‬‬        ‫المتناغمة أجنحة نحل تتوزع في‬
    ‫تحتم الحافة التربوية أن تكون‬         ‫الشيخ عيسى الهتار؛ واحد من‬
   ‫للنص محمولات تكتيكية‪ ،‬يأتي‬              ‫كبار المشايخ الذين تصادمت‬      ‫أرجاء المكان‪ ،‬فإن الواجد هو أول‬
                                          ‫أحوالهم بأحواله‪ ،‬كان السماع‬    ‫من تقع في فمه قطرة العسل‪ .‬لكن‬
       ‫ذلك من ضرورة استعماله‬              ‫مركز ًّيا في تجربته‪ ،‬يشرك فيه‬
     ‫في مجتمع الرباط أو الزاوية‪،‬‬        ‫الرجال والنساء(‪ ،)5‬كذلك البجلي‬     ‫طعم القطرة نفسها سيكون على‬
   ‫الأصحاب والمريدون الذين يعج‬          ‫والحكمي‪ ،‬يروى أن أحد الفقهاء‬                      ‫ألسنة الجميع‪.‬‬
     ‫بهم المكان‪ ،‬هم هدف الخطاب‬              ‫الكبار كان ينكر السماع على‬
  ‫التربوي‪ ،‬ضوؤه لا بد أن يتسلط‬          ‫الحكمي‪ ،‬وذات يوم حضر الفقيه‬        ‫ارتبط التأسيس الصوفي لشمس‬
    ‫في المكان بشكل ما‪ ،‬الشيخ هو‬         ‫والحكمي في حال السماع‪ ،‬فقال‬        ‫الشموس أبي الغيث بن جميل(‪)1‬‬
‫مر ٍّب بالدرجة الأولى‪ ،‬لكن الخطاب‬          ‫الحكمي‪ :‬يا فقيه ارفع رأسك‪،‬‬
  ‫يستهدف المجتمع الصوفي بشكل‬                                                 ‫بالسماع‪ ،‬حين قدم إلى مدينة‬
‫عام‪ .‬بذلك يتحول إلى خطاب كوني‪.‬‬        ‫فرفع رأسه فرأى الملائكة تدور في‬     ‫زبيد في النصف الثاني من القرن‬
 ‫إذ هو خطاب متعدد الطبقات‪ ،‬يعج‬                               ‫الهواء(‪.)6‬‬
 ‫بالمضمرات‪ .‬وله أكثر من مخاطب‪.‬‬                                              ‫السادس‪ ،‬كان السماع من أهم‬
   ‫الحافة الخبرية تحتمها الطبيعة‬                ‫كما في بقية موضوعات‬         ‫أطايبها‪ ،‬القصور الواقعة غرب‬
                                           ‫التصوف‪ ،‬يحضر الشيخ أبو‬        ‫المدينة وحدها‪ ،‬يخرج منها كل ليلة‬
          ‫الماورائية للسماع‪ ،‬تقوم‬          ‫الغيث في السماع بشخصيته‪،‬‬       ‫خميس وجمعة خمسمائة مسمع‬
     ‫استراتيجية السماع على رغبة‬          ‫يحضر كالعادة كبي ًرا وصاحب‬         ‫وراقص لزيارة الأولياء وإقامة‬
    ‫جامحة في مفارقة الذات‪ ،‬يخلق‬         ‫خصوصية‪ ،‬في هذا السياق تقوم‬
  ‫السماع حالة تعزيز وتحفيز لتلك‬       ‫شذراته بما يتجاوز إشكال التكرار‬                         ‫السماع(‪.)2‬‬
     ‫الرغبة‪ ،‬من هنا تأتي الطبيعة‬        ‫والاختلاف‪ ،‬لديها إلى جانب ذلك‬     ‫شيخه الأول‪ ،‬الشيخ علي بن أفلح‬
                                        ‫مهام أخرى‪ ،‬ثمة تقابل بين عدة‬      ‫كان من كبار شيوخ التصوف في‬
      ‫الماورائية للنص‪ ،‬الكلام على‬     ‫حواف؛ حافة تربوية‪ ،‬حافة خبرية‪،‬‬      ‫زبيد‪ ،‬وكان من المولعين بالسماع‬
‫السماع يؤخذ في جزء منه بوصفه‬              ‫حافة استبطان التجربة‪ ،‬حافة‬
                                                                            ‫الصوفي‪ ،‬كان الوجد حال دائم‬
     ‫إخبا ًرا عن سماع أو مشاهدة‬                                            ‫الورود عليه أثناء السماع‪ ،‬حين‬
    ‫أو إحساس يتجاوزهما‪( .‬فلولا‬                                            ‫يحركه الوجد يسمع الحاضرون‬
 ‫القول ما علم مراد المريد ما يريده‬                                          ‫كأن من ينعق مثل الشاوش في‬
    ‫منا ولولا السمع ما وصلنا إلى‬                                          ‫الجو(‪ .)3‬كذلك ُم َث ِق ُب ُه الأهدل‪ ،‬كان‬

           ‫تحصيل ما قيل لنا)(‪)7‬‬
‫حافة الذات المنخرطة في اللعبة‪ ،‬هي‬

 ‫الأكثر إثارة في تجليات هذا المنتج‬
     ‫الشذري‪ .‬يضمر الحرص على‬

   ‫القواعد نو ًعا من التأطير‪ ،‬اللعبة‬
  ‫تكمن في التأطير نفسه‪ ،‬ومادامت‬
  ‫القاعدة في السماع ألا تطلبه بحظ‬

    ‫نفسك‪ ،‬وإنما تطلبه بحظ الحق‬
‫منك(‪ ،)8‬فإن طلبه بحظ النفس ادعاء‬

 ‫يقترن في الغالب بادعاء آخر‪ ،‬ذلك‬
    ‫هو التواجد‪ ،‬التواجد في أحسن‬

 ‫أحواله محاولة دخول قصرية إلى‬
   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166