Page 252 - merit 53
P. 252

‫العـدد ‪53‬‬                                 ‫‪250‬‬

                                   ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬                           ‫العلامة من منطلق سيميائي‬
                                                                         ‫يحفر في الأنساق المتخفية‬
          ‫والمساحات العامة‬             ‫قرطاج مع روما‪ .‬ويأتي‬
    ‫والافتراضية في مونديال‬          ‫هذا في انسجام مع القميص‬           ‫وراءها ويحدد حياة العلامة‪.‬‬
    ‫قطر ‪ 2022‬فضا ًء رحبًا‬                                                  ‫فاللباس من وجهة نظر‬
 ‫لتمارس الجماهير التونسية‬             ‫الرسمي لمنتخب تونس في‬
 ‫استجاباتها البليغة‪ ،‬لتضحى‬           ‫مونديال قطر ‪ 2022‬الذي‬               ‫سيميائية لغ ٌة ‪-‬كما يشير‬
   ‫(الملاعب) بدي ًل للاحتجاج‬          ‫ُرسم عليه «درع حنبعل»‪،‬‬           ‫«رولان بارت»‪ ،-‬تساهم في‬
     ‫والتفريغ النفسي‪ ،‬ولعل‬          ‫ومنها جاءت تسمية «نسور‬
                                                                         ‫تشكيل الهوية‪ ،‬وقد مثلت‬
         ‫الأهم في استجابات‬                           ‫قرطاج»‪.‬‬               ‫«الشاشية التونسية»(‪)3‬‬
‫الجمهور التونسي أنها مثلت‬           ‫ومن جانب آخر مثل الجسد‬                 ‫العنوان الأبرز بوصفها‬
                                                                           ‫علام ًة سيميائي ًة تعكس‬
     ‫انعكا ًسا للهوية ال ُقطرية‬        ‫فضاء لتشكل الهوية من‬                 ‫تشبثهم بتقاليد وهوية‬
   ‫والإقليمية والقومية‪ ،‬حيث‬         ‫خلال التفاف العلم التونسي‬
  ‫أضحت الأناشيد والهتافات‬          ‫وتوزعه على الجسد أو رسمه‬             ‫البلد‪ ،‬حيث يتم استدعاؤها‬
                                   ‫على الوجه‪« ،‬ليستوي الجسد‬                  ‫من التاريخ كجزء من‬
    ‫والشعارات سفي ًرا عالميًّا‬      ‫كام ًل حام ًل أيقونيًّا متحر ًكا‬
‫لثقافة البلد وتجذره في منوال‬                                            ‫الموروث التونسي التقليدي‬
                                     ‫تختفي أبعاده المادية لتحل‬            ‫وله تأصيل مرتبط بفترة‬
    ‫ثقافي مميز‪ .‬ولم يكن هذا‬            ‫الأبعاد الرمزية مضمون‬
   ‫بمعزل عن نسق عام تريد‬               ‫الشعار»(‪ )4‬لنشهد تحو ًل‬         ‫الأندلسيين‪ .‬ولم تكن خوذة‬
   ‫الجماهير إيصاله للمتلقي‬            ‫من جسد َي ْصدح بال ُهتاف‬        ‫حنبعل القائد العسكري لمدينة‬
   ‫والمتمثل في حضور الذات‬              ‫إلى جسد يمارس الهتاف‬
 ‫وتجسدها كائنًا لغو ًّيا معب ًرا‬                                       ‫قرطاج التاريخية بمنأى عن‬
                                   ‫الصامت ولا ينفك عنه ويعبر‬          ‫دخولها ساحة الفعل البلاغي‬
     ‫وتاري ًخا رمز ًّيا متجد ًدا‪،‬‬      ‫به عن معطيات اجتماعية‬          ‫حيث ارتدتها بعض الجماهير‬
  ‫رغم كل محاولات الإقصاء‬               ‫ثقافية‪ .‬فالجسد واللباس‬          ‫تصوي ًرا لتونس الضاربة في‬
                                          ‫مرآة التاريخ ووجهه‪.‬‬
                 ‫والتهميش‬                    ‫لقد شكلت الملاعب‬           ‫القدم‪ ،‬وعلامة على تأصلهم‬
                                                                          ‫في الحقبة البونية وحرب‬

                                                                         ‫الهوامش‪:‬‬

   ‫‪ -1‬وقع الإشارة إلى هذا الموضوع والتأسيس له من قبل الباحث عماد عبد اللطيف‪( .‬انظر عماد عبد‬
  ‫اللطيف‪ ،‬بلاغة جمهور كرة القدم‪ ،‬تأسيس نظري ومثال تطبيقي‪ ،‬مجلة العمدة في اللسانيات وتحليل‬

                                                                      ‫الخطاب‪ ،‬العدد ‪.)2019 ،6‬‬
    ‫‪ -2‬أرسى هذا المفهوم الباحث عماد عبد اللطيف منذ سنة ‪( ،2005‬انظر‪ ،‬عماد عبد اللطيف «بلاغة‬
‫المخاطب‪ :‬البلاغة العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته»‪ ،‬ضمن السلطة ودور المثقف‪ ،‬جامعة‬

                                                                         ‫القاهرة‪ ،‬ص‪.)23 -21‬‬
     ‫‪ -3‬الشاشية هي قبعة تلبسها العديد من الشعوب الإسلامية‪ .‬وهي في تونس تدرج ضمن اللباس‬

                                                ‫التقليدي‪ ،‬وتعود أصولها عند البعض إلى الأندلس‪.‬‬
     ‫‪ -4‬الأزهر الزناد‪ ،‬اللسانيات في قلب المسيرات‪ ،‬الشعارات خطا ًبا طقوسيًّا‪ ،‬جامعة منوبة‪ ،‬ص‪.30‬‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257