Page 41 - Jj
P. 41

‫‪39‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                         ‫العالم‪.‬‬       ‫على مستوى العالم‪ ،‬وأرضت شغف البعض منهم‬
     ‫الفيلم يمثل حالة استسلام تام لواقع مؤلم في‬          ‫في التعبير عن رؤيته بعي ًدا عن المألوف‪ ،‬وحتى‬
   ‫أغلب مشاهده‪ ،‬حتى أن شعاع الأمل الذي اراده‬
‫صانعه استمد قوته من إزهاق حياة إنسان‪ ،‬ما يعد‬           ‫تك ِّون وجهة نظر متكاملة يجب أن تشاهده كام ًل‬
‫امتدا ًدا لفقدان القدرة على خوض صراعات حسمت‬             ‫وعدم التسرع في إصدار أحكام قبل الانتهاء من‬
 ‫نهايتها جد ًل‪ ،‬واختزال قضية الفيلم في الفقر يعد‬
  ‫قراءة غير مستوفاة لسطوره‪ ..‬كما أن قولبته في‬             ‫مشاهدته‪ ،‬فهو ليس فيل ًما ينتظر المنافسة على‬
   ‫إطار الإساءة لسمعة مصر واحدة من القراءات‬              ‫إيرادات شباك التذاكر‪ ،‬وهو ما يسهل التنبؤ به‬
                                                      ‫بمجرد عرض تريلر قصير عنه‪ ،‬وصانعه يعلم أنه‬
                                   ‫السطحية له‪.‬‬
  ‫موقع الأحداث يعد واح ًدا من أبرز عناصر الفيلم‬           ‫يخاطب فئات معينة اختلفت فيما بينها حوله‪.‬‬
‫وأكثرها ملائمة لأجواء الانكسار‪ ،‬منازل شاهدناها‬           ‫وما حدث من جدل حول الفيلم بمجرد عرضه‬
‫جمي ًعا في أغلب محافظات مصر تأثرت من الخارج‬            ‫ضمن مسابقة أفلام مهرجان الجونة السينمائي‬
   ‫بفعل عوامل الزمن وعدم خضوعها لأي صيانة‬
                                                           ‫ثم تسريبه منحه دعاية لم يحلم بها ليتخطى‬
    ‫منذ إنشائها‪ ،‬يطلق عليها اسم «بلوكات»‪ ،‬كانت‬        ‫حاجز مشاهدته أى توقعات‪ ،‬ويصبح «ريش» هو‬
    ‫ملا ًذا لمحدودي الدخل‪ ،‬تعاني اخترا ًقا للأدخنة‬
                                                        ‫الحدث السينمائي الأبرز خلال العام‪ ،‬ومخرجه‬
      ‫المنبعثة من فوهة مصنع‪ ،‬أما الداخل فلم يعد‬       ‫الذي يقدم عمله الروائي الطويل الأول محط أنظار‬
  ‫إنسانيًّا بالمرة‪ ،‬وهو ما أثار حفيظة الفقراء ذاتهم‬
‫مؤكدين أن الفقر لا يعني دو ًما قذارة‪ ،‬وإن وجدت‬
 ‫فلن تكون بتلك الصورة‪ ،‬إلا أن الإفراط في القذارة‬
 ‫متع َّمد دون شك‪ ،‬وأحد الأسباب التى اعتمد عليها‬
  ‫المخرج تمهي ًدا لحالة اللامبالاة التي سيطرت على‬
   ‫بطلة الفيلم‪ ،‬بحيث تبدو بلا انفعالات في أصعب‬

                                       ‫مواقفها‪.‬‬
‫وسط إظلام تام للشاشة تسمع سكب سائل يتبعه‬

     ‫صوت أحدهم يملأ الفضاء صرا ًخا‪ ،‬لتكتشف‬
‫‪-‬شيئًا فشيئًا‪ -‬احتراق شخص وسط أحد المصانع‬

   ‫المهجورة دون التركيز على ملامحه‪ ،‬ثم الانتقال‬
      ‫لعائلة مكونة من خمسة أفراد يسكنون شقة‬

‫صغيرة ذات غرفة واحدة‪ ،‬وأحد الأسرة في الصالة‬
  ‫مع جدران استجارت من الإهمال‪ ،‬ومع استيقاظ‬
   ‫الزوج للذهاب لمنزله تبدأ المعاملات النقدية التي‬
   ‫تكررت طوال الأحداث‪ ،‬أوراق مالية بالية تكمل‬
  ‫استراتيجية اللامبالاة‪ ،‬وتحديد نوع الطعام الذي‬
      ‫يتلاءم مع المبلغ الزهيد الذي يمن الزوج على‬
‫زوجته به‪ ،‬في حالة استسلام تام تأخذ النقود منه‬
   ‫لتطهو الباذنجان ليومين كما أمرها‪ ،‬بينما يأكل‬
    ‫هو الدجاج مع أصدقائه‪ ،‬وهو ذات الشخصية‬

‫التي تصرف بسخاء على عيد ميلاد ابنه‪ ،‬ويشتري‬
    ‫له الهدية التي لا تتلاءم إطلا ًقا مع الحياة التي‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46