Page 121 - Pp
P. 121

‫قالت أبوها مات على أرض ليست أرضه تار ًكا أمها وحيدة‬
‫الآن في البيت‪ ،‬رحل والدها عن رومانيا مضط ًّرا‪ ،‬وبالقياس لمن‬
‫لم يخرج ُيعتبر محظو ًظا لأنه استطاع إنقاذ نفسه وعائلته من‬
‫الهلاك‪ ،‬لكن بدأ إحساسه بافتقاد بوخارست لحظة أن داست‬
‫قدماه الأرض الألمانيَّة‪ ،‬سكنته بوخارست أينما و ّل وجهه‪ :‬قرب‬
‫الراديو‪ ،‬عندما يشرب النبيذ‪ ،‬عندما يواجه الراين‪ ،‬عندما يرى‬
‫القطارات تخرج من المحطة‪ ،‬كثي ًرا ما كان يضرب الأرض تحته‬

                        ‫ويقول‪ :‬لا‪ ،‬هذه ليست أرض رومانيا‪.‬‬
‫مصطفى لا يزال يتكلم عن أولئك الذين ُيؤتى بهم إلى الثلاجة‪،‬‬
‫المشكلة بالنسبة له تتح َّدد في أسفه على من هم في مقتبل العمر أو‬
‫فيمن هم أقل من ذلك‪ ،‬عندما يريد أن يحضر مراسم دفنهم لا‬
‫يستطيع‪ ،‬فوقت العمل لا يسمح له‪ ،‬بالرغم من أنه اتفق مع ذويهم‬
‫على ذلك‪ ،‬وقد أعطوه العنوان والوقت‪ .‬تسبح مارتينا في أفكارها‬
‫تحاول ما استطاعت ألا تستمع إليه‪ :‬كانت تسمع من أمها الكثير‬
‫عن رومانيا أي ًضا‪ ،‬في ذلك الوقت كانت تهتم بهذا الموضوع كثي ًرا‬
‫وتطلب منها أن تتكلَّم أكثر‪ ،‬لكن عندما لم يعد هناك ما ُيعين أمها‬
‫على تذ ُّكر شيء من ذلك توقفت‪ ،‬هكذا وصل حال أمها بعد أن تف َّرق‬
‫العدد الأكبر من عائلتها في بلدان أوربا‪ ،‬ولم يعد لأمها غير ذكريا ٍت‬

       ‫ضئيلة ومتف ِّرقة وأوجاع غربة ترددها كأث ٍر لما ٍض مفقود‪.‬‬
‫قال مصطفى‪ :‬تلك التي فتحت عليها الباب في الثلاجة رقم ‪،5‬‬
‫مسكينة‪ ،‬بطاقتها تقول إنها من ألبانيا وإنها هنا منذ أكثر من‬
‫خمس عشرة سنة‪ .‬إن الذي يقلقه أي ًضا أن أح ًدا لم يأ ِت لتسلُّمها‬
‫لحد الآن‪ ،‬مع أن إدارة البلدية في المدينة تع َّهدت بأنها سوف‬

                                                                              ‫‪121‬‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126