Page 208 - merit 36- dec 2021
P. 208

‫فإذا كانت الغنائية قدي ًما واقفة‬
                               ‫على البعد الغنائي‪ ،‬فإن شعر‬

                            ‫اليوم يمثل محاولة وعي‪ ،‬تهدف‬
                                ‫إلى بلوغ نقطة داخلنا يحاول‬
                                ‫الإنسان الهروب منها‪ .‬لتصير‬

                            ‫الغنائية حالة هروب من الحياة‪،‬‬
                                ‫بقدر ما هي القصيدة النثرية‬
                                   ‫حالة وعي عميق بالإنسان‬

‫بابلو نيرودا‬

    ‫نفقات الحياة اليومية‪،‬‬    ‫الشعرية الراهنة‪« :‬سألعن‬                              ‫‪...‬‬
‫والمشي على رجلين ليستا‬            ‫محمد الماغوط‪ /‬كلما‬      ‫أصدقائي» (من ديوانه الأول‬

      ‫له‪ ،‬تقوده في الرؤى‬      ‫ابتعدت في العمر‪ /‬الرجل‬                      ‫«تفاصيل»)‬
                ‫الغائمة»‪.‬‬        ‫الماجن الحنون‪ /‬الذي‬              ‫وفي محاولة لتفسير‬
                                                            ‫خصوصية تجربة إبراهيم‬
   ‫ما يحدث هو أن الشعر‬         ‫اكتشف للغضب‪ /‬مزايا‬              ‫داود يقول الناقد محمد‬
     ‫يتكلم أكثر بعي ًدا عن‬      ‫إضافية‪ /‬وخبّأ نفسه‪/‬‬          ‫العشري في بعض مقالاته‬
                            ‫وبصق على المارة»‪ .‬ويدفعه‬        ‫حول الديون الجميل «حالة‬
  ‫مسارات الشعر الغنائي‬           ‫الصدام إلى الفرار من‬
‫الذي ينتهي به التكرار إلى‬     ‫المواجهة‪ ،‬مؤث ًرا السلامة‪،‬‬                ‫مشي» ما يلي‪:‬‬
                            ‫وهو هنا يلمس بقوة مكمن‬        ‫«يسلك داود طري ًقا جانبيًّا‪ ،‬لا‬
  ‫فجاجة القول المصطنع‪.‬‬      ‫الضعف‪ ،‬أو الخيار الإرادي‬
    ‫يقول الشاعر في نصه‬      ‫بالإنسحاب‪ ،‬لدى أبناء جيله‬       ‫يفضي إلى شيء‪ ،‬فيكتشف‬
                                ‫من شعراء الثمانينيات‪:‬‬        ‫أنه ضلّل‪ ،‬فينقلب في حال‬
                ‫«دقات»‪:‬‬        ‫«أريد أن تشاركني حالة‬          ‫عتاب‪ ،‬على من قادوه إلى‬
       ‫«جارتنا التي ظلت‬      ‫المشي‪ /‬التي تنتابني كلما‬        ‫ذلك الطريق‪ ،‬وهو المسلك‬
                               ‫تقدمت في العمر‪ /‬الحالة‬
                ‫لسنوات‬      ‫التي أتذكر خلالها‪ ..‬أشياء‪/‬‬          ‫الشعري‪ ،‬الذي ُوصف‬
‫تقول كل يوم في الخامسة‬       ‫غائمة‪ /‬وأقرر ألا أتذكرها‬       ‫بالنثر‪ ،‬لتتحول علاماته إلى‬
                               ‫بعد ذلك‪ /‬وأتذكرها بعد‬      ‫قصائد نثرية‪ ،‬أورقت زهو ًرا‬
                 ‫صبا ًحا‬        ‫ذلك»‪ .‬تلك المراوغة بين‬    ‫يانعة‪ ،‬ج ّملت المشهد الشعري‬
      ‫لرجل اسمه محمد‪:‬‬          ‫ما يريد‪ ،‬وما لا يريد‪ ،‬ما‬
                            ‫يجبره على الانحناء‪ ،‬لتوفير‬        ‫برؤى مغايرة‪ ،‬لا يعترف‬
               ‫استيقظ‪..‬‬                                        ‫بها الجيل المتزمت‪ ،‬ممن‬
       ‫أصبحت السادسة‬                                       ‫يجلسون على مقاعد الهيئات‬
        ‫تركت الحي كله»‬                                        ‫الرسمية‪ ،‬المعنية باللحظة‬
‫إنها تركيبة واحدة‪ ،‬زوبعة‬
‫رؤيوية في فنجان الكلمات‬
‫والحالات اليومية البسيطة‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213