Page 206 - merit 36- dec 2021
P. 206

‫العـدد ‪36‬‬         ‫‪204‬‬

                                                             ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬       ‫تتسرب إلينا من خلال‬
                                                                              ‫بساطة التعاطي الدلالي‪:‬‬
              ‫والتصاوير‬                    ‫أتشرب شا ًيا؟‬
   ‫والذكريات التي‪ ..‬ربما‬        ‫وماذا إذا بلل الماء وجهك؟‬                               ‫«وبعد هزة‪..‬‬
                                                                          ‫سمعت صوتها الغزير فوق‬
              ‫احتجنا لها‬            ‫وأخرجت ثو ًبا نظي ًفا؟‬
        ‫وتركنا أجدادنا في‬         ‫ودار المرتل‪ ..‬لو آيتين؟»‬                                    ‫جنتي‬
                                                                                             ‫يشدني‬
               ‫الحكايات»‬            ‫‪ -3‬العقل‬                                             ‫تركت بيتها‬
‫فالشعري عند الشاعر يتم‬             ‫الاستعاري‪:‬‬                                          ‫وسرت خلفها‬
                                                                            ‫توقف القطار فاصطدمت‬
   ‫من خلال جملة واحدة‬               ‫الظاهر أن الشاعر من‬                    ‫بالبيوت نفسها» (من نص‬
   ‫تمثل خرو ًجا عن صف‬             ‫ديوان إلى آخر قد شكل‬                                      ‫«غفوة»)‬
                                  ‫طريقة بديعة في التعامل‬                        ‫والإغراء كبير هنا من‬
     ‫التعبير الذي كثي ًرا ما‬                                                  ‫خلال الغرق اللذيذ فيما‬
‫يحدث أن تستغرقه النثرية‬             ‫مع النظام البلاغي في‬                       ‫يمكن وصفه بالوصف‬
                               ‫شعره‪ .‬وربما يكون انتقاله‬                       ‫الساذج لمكونات الحياة‪،‬‬
 ‫البسيطة المسطحة‪ ،‬نثرية‬                                                    ‫ولكنها تجربة تتسرب إلينا‬
    ‫أو سردية تحتاج كلمة‬            ‫في تجربته الطويلة هذه‬                      ‫من خلال طريقة غريبة‬
    ‫واحدة فقط كي تنتقل‬           ‫من شعر التفعيلة أو ًل إلى‬                  ‫في انزلاق الواقعي اليومي‬
   ‫بها نهائيًّا صوب أعمق‬                                                      ‫الفج إلى دوائر الشعري‬
                                   ‫قصيدة النثر هو مسار‬                    ‫الاستثنائي؛ وهو أمر ينجح‬
‫اللحظات الشعرية وأكثرها‬             ‫يبرر تما ًما هذا النظام‬                  ‫فيه الشاعر إبراهيم دواد‬
   ‫كثافة‪ .‬إنها جملة تركنا‬      ‫الدائر حول استغلال دقيق‬                         ‫من خلال تقطير البعد‬
                                ‫شجاع وذكي للاستعارة‪..‬‬                     ‫الاستعاري للحياة في لمع لا‬
 ‫أجدادنا في الحكايات التي‬          ‫نظام يخترق الدواوين‬                      ‫يكثر منها‪ ،‬من باب أن أي‬
  ‫تبث كهرباءها في المقطع‬          ‫الستة التي تشكل «ست‬                     ‫نوع من الحلاوة إذا زاد في‬
                                   ‫محاولات»‪ ،‬ليظهر جليًّا‬                   ‫النص على ضده انقلب إلى‬
     ‫كله‪ .‬تما ًما كما يمكننا‬   ‫من خلال تجاربه المتراكمة‬
  ‫أن نلمح الأمر في ديوانه‬        ‫عبر عقود من الكتب التي‬                                         ‫نده‪.‬‬
‫البديع «حالة مشي» حيث‬            ‫تحمل كثافة السنين دون‬                    ‫نقرأ مع الشاعر الكبير دائ ًما‬
                                    ‫أن تضحي بالانتعاش‬
                   ‫يقول‪:‬‬       ‫الذي يلازم نبض الدواوين‬                     ‫من نصه الذي يهب ديوا ًنا‬
 ‫«سآخذ البشرية من يدها‬             ‫الأولى وبراءة الأشعار‬                      ‫عنوانه‪« :‬مطر خفيف في‬
                                                                                           ‫الخارج»‪:‬‬
               ‫هذا المساء‬                         ‫الأولى‪.‬‬                             ‫في صباح كهذا‬
    ‫سآخذها خارج المدينة‬           ‫يدعونا الشاعر إلى تأمل‬
    ‫لأحكي لها عن رحلتنا‬                                                     ‫وصوتك لم يلتفت بعد لك‬
                                    ‫الحياة من زاوية نظر‬                                 ‫وجارك صلى‬
                 ‫الأخيرة‬               ‫خاصة وهو يقول‪:‬‬                                 ‫وغازل زوجته‬
     ‫التي فشلنا في اختيار‬               ‫«م ّر الكأس بطيئًا‬                             ‫وقبل طفليه‪..‬‬
                                         ‫فارتفعت ساقان‬                                 ‫ماذا ستفعل؟‬
              ‫أرجلنا فيها‬
    ‫عن الفراغ الذي سرق‬           ‫وأيقظ زغ َب الليل شراع»‬                       ‫أتسحب نصف الغطاء‬
                                         ‫(نص «مشهد»)‬                                        ‫وتخرج؟‬
          ‫الكلام وهرب”‪.‬‬
    ‫إنها استعارات خفيفة‬        ‫أو يقول من بعض تعرجات‬
‫وهشة ولا تريد ادعاء قول‬              ‫ديوانه «لا أحد هنا”‪:‬‬
  ‫الكثير‪ ،‬ولكنها بالمقابل لا‬         ‫«أخذنا معنا الحقائب‬
 ‫ترضى بأقل من الدهشة‬
 ‫نم ًطا للقول وبع ًدا للتعبير‬
   ‫وحالة للدهشة والتمثل‬

              ‫الشعريين‪.‬‬
  ‫من ديوانه «حالة مشي»‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211