Page 235 - merit 36- dec 2021
P. 235

‫‪233‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫هورين في بركة السبع‬                                   ‫لا يجتهد ال ّشاعر في اختيار‬                   ‫لحركة الإنسان المصر ّي في‬
 ‫بمحافظة المنوفية) أسا ًسا‬                                ‫مفردات من عالم اللّغة‬                         ‫الأرياف والمدن وهو يسعى‬
                                                          ‫ال ّسامية‪ ،‬لكنّه يكسبها معا ٍن‬
    ‫له‪ ،‬متنق ًل في ذلك بين‬                                ‫خاصة من تجربته ويجعلها‬                         ‫إلى قوت يومه ويتطلع إلى‬
  ‫مكانين‪ ،‬يتجاذبان ال ّذات‬                                                                                            ‫أفق أفضل‪.‬‬
                                                          ‫تعبر عن نفسها‪ ،‬كما‬
     ‫ال ّشعرية عبر لحظتين‬                                                                                 ‫إ ّن مقاربة المشهد اليوم ّي‬
     ‫زمنيتين مختلفتين في‬                                  ‫يعبر بها البسطاء لتؤدي‬                       ‫بتفاصيله ال ّصغيرة في العالم‬
   ‫شكل متدرج (ال ّطفولة‪-‬‬
    ‫الكهولة) (ما كان‪ -‬ما‬                                  ‫المقصدية المبتغاة‪:‬‬                              ‫ال ّشعر ّي للشاعر المصري‬
                                                                                                        ‫إبراهيم داود‪ ،‬جاء من نداء‬
      ‫سيكون) (الماضي‪-‬‬                                     ‫«ال ُعيو ُن َت َرى ِب ُو ُضو ٍح‪..‬‬            ‫هذه الكتابة نفسها‪ ،‬ذلك أ ّنها‬
                 ‫ال ّراهن)‪:‬‬                                                     ‫ُه َنا‬                   ‫تنتصر للهامش ّي والمنس ّي‬
                                                               ‫َواللُّ َغ ُة‪ ..‬ل َا َش ْح َم ِفي َها‬
        ‫َأ« ْن ُهَ َنتا َِأ ْفن َاتل َق ِافِه َرمةص َر‬    ‫َول َا َص ْو َت َي ْعلُو َف ْو َق َص ْو ِت‬       ‫واللامفكر فيه ببوهيمية‬
        ‫َأ ِ ْنف َت َملِاف ِع َب ِْيبتِ َ ُكط ُفو َلت َك‬                                                    ‫رافضة‪ ،‬وتقدم اقترا ًحا‬
                                                                            ‫ال َأ َم ْل»‪.‬‬              ‫ميتاشعر ًّيا يفكر في القصيدة‬
           ‫َأ ْن َت م َع َن ْف ِس َك‬                        ‫في عالمه ال ّشعر ّي تترادف‬                   ‫وما تفكر فيه‪ ،‬مستعينًا في‬
‫َو َم َع الّ َذي َن َسي ْبدأو َن ال ِغ َنا َء‬               ‫اللّغة مع ال ّرؤية‪ ،‬فال ّشعر‬               ‫ذلك بك ّل ما تتيحه الإمكانية‬
                                                          ‫عنده مشهد تمت رؤيته‬                               ‫الهائلة للفن ال ّسينمائ ّي‬
                  ‫َم َع ْك»‪.‬‬                              ‫بالعين وتسجيله باللّغة‪،‬‬                        ‫باختلاف تقنياته ووسائل‬
 ‫لقد انحاز ال ّشاعر إبراهيم‬                                   ‫مستفي ًدا في ذلك من ك ّل‬                    ‫تبليغه‪ ،‬ليسجل بكاميراته‬
                                                          ‫الإمكانيات الّتي يتيحها عالم‬                ‫ال ّشعرية إطار المشهد اليوم ّي‬
   ‫داود منذ البدء إلى عالم‬                                                                                 ‫المتناقض‪ ،‬جاع ًل المقطع‬
                ‫البسطاء‪:‬‬                                  ‫ال ّسينما‪ /‬الفن ال ّسابع‪.‬‬                      ‫ال ّشعر ّي مشه ًدا سينمائيًّا‬
                                                          ‫في معظم قصائده تبدو‬                           ‫غا ًّصا بالتّفاصيل ال ّصغيرة‬
            ‫« َعا َلُ َنا َب ِسي ٌط‪:‬‬                      ‫ال ّذات ال ّشاعرة محملة‬                     ‫التي لا تقال إلاّ بلغة الهامش‪،‬‬
   ‫َأ ْر ِص َف ٌة َو َم َنا ِز ٌل معتقة‪..‬‬                                                             ‫اللّغة المتفق والمتعارف عليها‪:‬‬
                                                          ‫بإرثها ال ّريف ّي القديم‬                        ‫َ«واالللّ َعَغا ُة ِش ُم َُتّق َفا ٌلّق ِذ َعيَل ْي َهَاضا َق ِم َن‬
                  ‫لل َط ِريق‬                              ‫للهامش والمنس ّي‬  ‫ومنتصرة‬                        ‫اََيتل ْْبفثّ َْرحِ َثضُ َثري ِة َإعِ ََْعنل ِناُطال َُلبر ِْعٍحق ِْرشَقاِقل‪.َ ِ.‬كصبِييَر ِرٍة‬
         ‫ِحي َن َت ْع ُب ُر ال ِّري ُح‬                     ‫فيه‪ ،‬وهي تنوء‬    ‫واللاّمفكر‬
                                                                                                                      ‫ُط ُر ٌق َضيِّ َق ٌة‬
                  ‫َن َخا ُف‪،‬‬                              ‫بثقلها ووجعها وحنينها‪..‬‬                      ‫َََتيي ْمْْسصِ ُكش َطُناي ُدإِ َِف َأيْلل َه َاحَاجآاًناِِنمبِنً َاَغهاا ِمال َ َضح َيًةا ُةُت ِعي ُن ُه‬
     ‫َو ِحي َن َي ْش َت ُّد ال َب ْر ُد‪.»..‬‬
 ‫الأشياء البسيطة كالمعاني‬                                 ‫تجوب شوارع وأزقة‬                                             ‫َع َل ال ِّش َتا ِء‬
 ‫مطروحة في ال ّطريق‪ ،‬لكن‬                                                                                ‫َو َت ْس َت ْو ِع ُب إِ ْح َسا َس ُه ال َق ِدي َم‬
   ‫ال ّشعرية الحقة تتمظه ُر‬                               ‫القاهرة على غير هدى‪،‬‬
   ‫في التّعبير عنها بطرائق‬                                ‫متذكرة ال ّذكريات البعيدة‬                                      ‫ِبال َف ْق ِد»‪.‬‬
   ‫مبتكرة ومتوهجة‪ ،‬تش ُّد‬                                 ‫وغارقة في ال ّطرقات‪ ،‬ولأ ّن‬                 ‫إ ّن اللّغة وعاء العالم ال ّشعر ّي‬
  ‫انتباه المتلقي وتقنعه بأ ّن‬
   ‫الجوهرة ال ّشعرية تحت‬                                  ‫إبراهيم داود شاعر مشاء‬                          ‫برمته‪ ،‬والّتي تضم باقي‬
‫ال ّركام‪ ،‬وأ ّن الحكمة ال ّدائمة‬                          ‫في ال ّشوارع والأزقة‪،‬‬                       ‫المكونات وال ّرؤى الأخرى‪ ،‬لذا‬
 ‫تخرج من أفواه البسطاء‪:‬‬                                   ‫مولع بالتّفاصيل ال ّصغيرة‬
     ‫«‪ ..‬الَّ ِذي َن َكا ُنوا ُه َنا َك‬                   ‫ويعرف كيف يحتفي بها‬
‫َو َم َع َه َذا َ ْل َي ْه َت ّم ال ُح ُضو ُر‬             ‫شعر ًّيا‪ ،‬ويسجلها باللّغة‬
                                                          ‫ال ّسهلة الممتنعة‪ ،‬متجر ًدا‬
                     ‫ِب ِه ْم‬                             ‫من النّخبوية والتّعالي‪ .‬أما‬
      ‫ل َأ َّن ال َو َقا ِئ َع ال َي ْو ِميَّ َة‬
                                                          ‫الإطار العام لهذا المشهد‪،‬‬
                                                          ‫فيتخذ ال ّشاعر القاهرة‬

                                                          ‫وال ّريف المصري (قريته‬
   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240