Page 232 - merit 36- dec 2021
P. 232

‫العـدد ‪36‬‬          ‫‪230‬‬

                                                            ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬      ‫الصراع النفسي الداخلي‪،‬‬
                                                                              ‫و(الحوار الدرامي) بين‬
  ‫‪-‬سواء أكانت واقعية أم‬      ‫‪-‬النابع من رغبته الجامحة‬                    ‫(الأنا) و(الأنت) في القصائد‪،‬‬
  ‫متخيلة‪ ،-‬إلا أننا نلاحظ‬     ‫في إزالة كل علامات الظلم‬                       ‫الذي يحمل للمتلقي تعدد‬
 ‫سعيه الدائم إلى تجاوزها‬       ‫والقمع‪ ،-‬والذي اتجه إلى‬                         ‫الأصوات‪ ،‬اعتما ًدا على‬
                             ‫داخل ذاته (نكو ًصا)‪ ،‬ربما‬                      ‫أسلوب (المراوغة) وسعيًا‬
    ‫على مستوى المضمون‬         ‫لذلك التمست ذات الشاعر‬                     ‫لإعادة صياغة عالمه النفسي‪،‬‬
    ‫(نكو ًصا) إلى الماضي‪،‬‬    ‫في عزلتها شيئًا من السلام‬                    ‫وما يحمله من جماليات‪ ،‬من‬
   ‫وتجاوزها على مستوى‬         ‫النفسي‪ ،‬فيقول في قصيدة‬                     ‫خلال رهافته اللغوية‪ ،‬القادرة‬
‫الشكل من خلال المساحات‬                                                      ‫على منح المتلقي مساحات‬
                                            ‫«شجاعة»‪:‬‬
       ‫البيضاء‪ ،‬والسطور‬                 ‫«أنت في غرفتك‬                                 ‫ممتدة للحرية‪.‬‬
 ‫المنقوطة سعيًا إلى الحرية‪،‬‬  ‫تشتاق إلى بلادك في النهار‬                    ‫اعتماد الشاعر على (الخطاب‬
‫التي قد تبدو مستحيلة(‪.)11‬‬             ‫وتدعو لها بالليل‬
 ‫الشعر في قصائد ابراهيم‬           ‫ولا تصنع شيئًا آخر»‬                         ‫الصوفي)‪ ،‬كآلية دفاعية‬
                              ‫القارىء لقصائد الدواوين‬                     ‫للأنا‪ ،‬تبرز مدى فاعليتها في‬
      ‫داود ابن الصراعات‬      ‫محل الدراسة يدرك الكيفية‬                     ‫مواجهة (الرغبة)‪ ،‬فيقول في‬
   ‫الفكرية والنفسية‪ ،‬التي‬      ‫التي استطاع بها الشاعر‬                    ‫قصيدة «إلى رجل أحبه»‪ ،‬من‬
 ‫يستجيب لها على مستوى‬             ‫تجسيد المعاناة‪ ،‬سعيًا‬
  ‫(خطاب التصورات) من‬           ‫منه لإضفاء روح المأساة‬                          ‫ديوان ست محاولات‪:‬‬
  ‫خلال (القلق) الناجم عن‬      ‫والتعامل معها اتبا ًعا لآلية‬                      ‫«لرائحة اغترابك نكهة‬
     ‫شعوره بـ(الاغتراب)‬      ‫(التسامي)‪ ،‬كأن المأساة لا‬
                              ‫تخص (ذاته) وحدها‪ ،‬إنما‬                                        ‫الصوفي‬
       ‫الزماني‪ ،‬و(الغربة)‬     ‫هى مأساة الجميع‪ ،‬اتضح‬                              ‫ساعة عريه والليل‪..‬‬
  ‫المكانية‪ ،‬في القصائد التي‬     ‫ذلك في التفات الضمائر‪،‬‬                    ‫تشتد حولك رغبة في البوح»‬
‫عكست لنا دوائر (الغياب)‬         ‫وانتقالها ما بين ضمير‬                        ‫تلك المواجهة التي جعلت‬
   ‫وما تحتل من مساحات‬           ‫المتكلم‪ ،‬وضمير الغائب‪،‬‬                      ‫من ثنائية (الحلم‪ /‬الوهم)‬
                              ‫والمخاطب‪ ،‬اتضح أي ًضا في‬                         ‫وسائل لتجاوز معاناة‬
     ‫الوعى‪ ،‬والكيفية التي‬       ‫التفات الأزمنة وانتقالها‬                       ‫الواقع‪ ،‬مع ملاحظة أن‬
‫انتقل بها الشاعر من اللغة‬      ‫ما بين الأفعال المضارعة‬                        ‫تصوف الشاعر أخلاقيًّا‬
                                                                               ‫عرفانيًّا‪ ،‬لا يخوض في‬
  ‫التقريرية المباشرة‪ ،‬التي‬                   ‫والماضية‪.‬‬                       ‫القضايا السياسية بشكل‬
 ‫نألفها في سياق الحضور‪،‬‬      ‫جاء حضور (ذات) الشاعر‬                           ‫صريح‪ ،‬ولا يصطدم مع‬
‫متج ًها إلى (الغياب النصي)‬                                                  ‫السلطة صدا ًما عني ًفا‪ ،‬إنما‬
                                  ‫حضو ًرا لافتًا‪ ،‬ما بين‬                  ‫يسعى إلى إعطاء فكرة العدل‬
      ‫مرك ًزا على المساحات‬     ‫تمردها المرتد إلى الداخل‪،‬‬                 ‫الاجتماعي حقها‪ ،‬نلاحظ ذلك‬
    ‫البيضاء المحرضة على‬         ‫ومراوغتها التي صارت‬                      ‫بوضوح أي ًضا في ديوان «كن‬
                                                                            ‫شجا ًعا هذه المرة»‪ ،‬والذي‬
       ‫التأمل‪ ،‬وصو ًل إلى‬          ‫أسلو ًبا مواز ًيا لحال‬                  ‫اتسم خطاب مجابهة الآخر‬
     ‫(الرمزية التصورية)‪،‬‬      ‫الجماعة السيكولوجية من‬                         ‫فيه‪ ،‬بالمباشرة والواقعية‪،‬‬
  ‫فالأشياء التي تنتمي إلى‬                                                   ‫لا غرابة في ذلك؛ لأن زهد‬
  ‫الزمان الغائب هى أي ًضا‬        ‫المقهورين ‪-‬التي ينتمي‬                     ‫الشاعر جعله أعلى قدرة في‬
‫غائبة‪ ،‬هنا فقط نعرف قيمة‬          ‫إليها‪ ،-‬بالتالي فعلاقة‬                    ‫الإتيان بمفردات (التمرد)‬
   ‫(الغياب) النفسية‪ ،‬التي‬         ‫القصائد بذات الشاعر‬
‫هى بمثابة (نقص) يستلزم‬          ‫علاقة قائمة على وصف‬
     ‫بحث المتلقي من أجل‬           ‫معاناته التي يجسدها‬
 ‫استحضار (ذات) الشاعر‬

              ‫أو تصورها‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237