Page 228 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 228
العـدد ١٩ 226
يوليو ٢٠٢٠
ش ّكلت (الآخر) لتلك الأسماء منها القدر جديلة متفردة في هذه السمعة هي العائق الذي حال
التي ذكرتها للمدن والميادين السمات والمزايا التي اكتسبتها دون تقدم هذا النوع من الكتابة
والأنهار والجوامع والمدارس. عبر الانتقال والتجول بين بقع في الأدب العربي ،إذ بقيت مص ًّدا
وإذا أجدنا الإنصات للعبة الذات وأماكن مختلفة ،فالكتابة عن معنى يمنع الاعترافات التي شاعت
والآخر في أمكنة سلوى جراح أن تجمع أوراق العمر المبعثرة في في الكتابة العالمية للسيرة .وقد
سنلتقط بسهولة كبيرة معادلة محطات شتى ،في نفس سردي يكون هذا السبب هو العامل
قد تبدو سمة خاصة بشخصية متأمل عن بعد يجلس بعد سنوات المؤثر في ازدهار فن الكتابة
الكاتبة دون سواها ربما من طويلة في حالة تصالح مع تلك السيرية الروائية ،وهي نوع من
الفلسطينيين ،الفلسطيني المعروف الأيام ،لا يحاسبها ولا يؤنبها الكتابة تجعل الباب موار ًبا بين
بقدرته علي تمييز ذاته مهما ولا يعود اليها ناد ًما أو متحس ًرا، الواقع والخيال ،وتدمج بينهما
تغربت ،والتعامل مع الآخر بكثير لكنها العودة التي تريد أن تضع بطريقة تخلي ذمة الكاتب وتمنحه
من الحذر الذي يرافق الغربة كل حدث ،أو إحساس أو فكرة ،في مبر ًرا لتفسير أية نقطة لا تشكل
القسرية مع سواه ،أفلتت سلوى انسجا ًما مع المجتمع بانه ن ٌّص
من هذا الإطار لتنسج لنفسها مكانه الطبيعي. تخييل ٌّي وليس وقائع لحياته.
شخصية إنسانية تحب هويتها ولأن المكان ش َّكل دائ ًما عنص ًرا وقد جاءت سيرة الإعلامية
الأولى ،لكنه حب دون قيود أو ها ًّما ومتمي ًزا في السيرة الذاتية
أعباء ،حب صاف تمكنت دائ ًما والكاتبة سلوى جراح (لملمة أوراق
من استلهامه في علاقتها مع المدن «فهو الكيان الاجتماعي الذي تبعثرت) بعد ستة أعمال روائية،
الأخرى التي تبادلت معها الحب يحتوي خلاصة التفاعل بين نفت هي في المقدمة أن تكون تلك
الإنسان ومجتمعه ،ولذا فشأنه الأعمال ترجمة فنية لحياتها،
والألفة. شأن أي نتاج اجتماعي يحمل وقالت إن ما تريد قوله عن هذه
تركت الكاتبة بصمتها الخاصة جز ًءا من أخلاقية وأفكار ووعي الحياة بصدق موجود هنا في
على كل مدينة مرت فيها ،بدأت السيرة.
بعكا التي قالت عنها« :حاولت ساكنيه»)1(. وتبدو جراح في اختيارها لعنوانها
عبر السنين أن أرسم في مخيلتي ما تميزت به هذه السردية منسجمة تما ًما مع سياق هذه
صورة لعكا ،لكن الصور القليلة السيرية هو التنوع في الأمكنة السيرة الذاتية عن إنسانة جدل
التي كانت الكاتبة غريبة عنها
التي كنا نمتلكها للمدينة وما وليست من سكانها ،أي أنها
عاشه أهلي فيها لم تكن تتجاوز
لقطات لجدي وهو جالس يبتسم
وعلى رأسه الطربوش ،أو لأمي
وخالتي وجدتي أم عادل في غرفة
الجلوس في بيتهن في عكا ،أو
واقفات بين أشجار حديقة المنزل
الوارفة».
شكلت مدينة عكا أساس الهوية
الشخصية لسلوى في هذه
السيرة ،سلوى ابنة مدينة عكا
بتلك التفاصيل البسيطة التي
سمعتها أو تخيلتها وهي لا تبتعد
عن عالم حلمي مطرز بوجود