Page 230 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 230
العـدد ١٩ 228
يوليو ٢٠٢٠
يمكن الإشارة إليها بوضوح في الكاتبة الأدب والفلسفة. تنقل مشاعرها وتصف سلوكها
كتابة سلوى جراح فيما يخص وكل هذه التغييرات السياسية مع التركيز على حيرة الإنسان
والاجتماعية كانت من وجهة نظر وهشاشته ،وتقلبات الأقدار التي
عملها الإذاعي في إذاعة مهمة الفرد ،دون محاولة تفسير أو يتعرض لها ،وتمتحن فيها قدرته
ومسموعة عند العرب ،وفي زمن تاويل أيديولوجي أو شعارات
انتقالي امتد بين أعوام وأحداث كبرى ،وهي بهذا تنسجم مع فكرة على الصمود.
المكتوب السيري في «أن المؤلِّف، -2العلاقة بين الذات والآخر
مهمة في تاريخ العرب. وهو ذات النص وموضوعه في آن، تبدو هنا علاقة تقبل ،تستند
أفردت جراح لعملها الإعلامي يريد أن يكون صاد ًقا وأن يحكي إلى توازن نفسي مثير للدهشة،
عنوا ًنا فرعيًّا خا ًّصا ،مسجلة فيه ذكرياته كما عاشها ،أي يعيد إنتاج فالطفلة التي تنقلت بين أماكن
التفاصيل ولكن بطريقتها المتأنية الحقيقة مثلما عاشها ،والعال َم وفق عديدة من بيروت إلى البصرة
الهادئة ،وبصوتها الذي استمد من رؤيته .إ ّنه (الشخص الحقيقي)، إلى كركوك إلى القاهرة إلى بغداد
أيام الطفولة القدرة على المراقبة وهو وحده من يمكن أن يحتمل ولندن ،لكنها لم تنقل لنا بعض
والدهشة ،دون -كما أسلفنا -أية ما يقوله ويتح ّمل الصدق فيه،
مبادرات قائمة على قولبة الأشياء أي يتح ّمل مسؤولية تل ُّفظه عند الروايات عن الآخر الشرير
والأشخاص ضمن قالبها الخاص، وضعه لاسمه على ظهر غلاف أو المزعج ،لم تصف لنا بعض
فهي تمنح القارئ حرية اختيار الكتاب .وذلك بخلاف الشخص
الإحساس أو الفكرة أو الكلمة الخيالي الذي يفترضه التخييل»)2(. صعوبة التأقلم في الذوبان
مالفائدة التي يجنيها المتلقي من في مجتمعات لكل منها عاداته
المناسبة. قراءة تاريخ شخصي ويوثق الخاصة وشخصيته المعنوية
نعم الحرية التي استلهمتها لإنسان معين من حيث الأفكار
الكاتبة من طريقة تربيتها كانت والمشاعر والحوادث والسلوك، المختلفة.
وسيلتها في الكتابة ،الكتابة التي يحيل عبد السلام المسدي إلى
تشبه محاورة الذات دون إملاء يمثل الأدب وسيلة إنسانية مفهوم السيرة الذاتية انطلا ًقا
أو استعلاء أو قولبة ،هذه الحرية عالية التأثير ،لذلك يمكن النظر من إطار اهتمام الفرد بحياته
هي من فتح أبواب التعبير عن الشخصية ،وما تحمله من تضافر
الذات والكتابة الإبداعية ،فض ًل إلى كل الأحداث العظيمة في ضربين من ازدواجية الظاهر
عن أشياء أخرى تتمثل بالتزامها تاريخ البشرية من وجهة نظر والباطن من جهة ،والموضوعي
ومحاولتها الدائمة في البحث عن فردية عبر الأدب ،الإنسان هو والذاتي من جهة أخرى ،ولعل
ذاتها ،سلوى جراح صوت عربي موضوع الحياة وقيمتها العليا، حياة سلوى التي بدأت عام 1946
جميل يصور حياته بنعومة كبيرة لذا تسجل للسيرة الذاتية قيمة كانت حافلة بالاحداث الكبرى التي
وسرد استمتعت بمتابعته فعلية من خلال شرح هواجس مرت على المدن العربية كلها ،بد ًءا
أناس حقيقين في ظل ظروف من نكبة فلسطين 1948وانتهاء
الهوامش: حقيقية ،وليس اتكاء على وجهة بسقوط بغداد ،وتبدو أوضح
نظر تاريخ رسمي خاضع لأي التغييرات وأكثرها حدة في السرد
-1الشخصية في عالم غائب طعمة أيديولوجية ،القدرة التسجيلية السيري لسلوى في العراق ،الذي
فرمان الروائي ،د.طلال خليفة الناعمة التي تمتاز بها هذه الكتابة تغير سياسيًّا في أكثر من مرة،
تيسر للمتلقي الدخول مباشرة إلى وفي كل تغير يكون الأثر واض ًحا
سليمان ،من إصدارات مشروع بغداد خبرات إنسانية سبقته أو تفوقت على العائلة الفلسطينية ،التي تقيم
عاصمة الثقافة العربية ،2013ط1 عليه بالسنوات ،أو بطريقة التفاعل فيه ،ولعل النقطة الأشد قتامة
بغداد.185 :2012 ، الإنساني ،ولعل مثل هذه الخبرة تمثلت في صعود البعث إلى الحكم
-2من ثبات المرجع إلى فضاء وتأميم كل المؤسسات ،ومنها
كانت الكلية التي درست فيها
المتخيَّل :السيرة الذاتية بوصفها نو ًعا
أدبيًّا ،عبد اللطيف الوراري ،جريدة
القدس /27نوفمبر 2018