Page 233 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 233

‫‪231‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

 ‫أحداث النصوص غير متطابقة من‬               ‫فالهوية الشخصية تتمثل فيما‬             ‫الانفعالات في نصوص المجموعة‬
    ‫حيث تكنيك الكتابة إلا أن هناك‬       ‫تختص به الذات من تفرد يتجسد‬               ‫مبر ًرا للصراعات المشروعة‪ ،‬نجد‬
   ‫خ ًّطا واص ًل فيما بينها يتجلى في‬
                                            ‫بالفعل في طرح الأسئلة التي‬              ‫أن الخطر قرين القلق في قصة‬
  ‫جدلية (المادي‪ /‬المعنوي)؛ فيقول‪:‬‬        ‫تتوارى خلف وعى الكاتب‪ ،‬حين‬             ‫«الحقيقة»‪ ،‬والخسارة قرينة الحزن‬
     ‫«حلم وئد بعقلي‪ ،‬نبتة غرست‬           ‫يقول «فكرة رائعة أن يصبح لك‬            ‫والاكتئاب في قصة «تبعثر» الرابعة‪،‬‬
                      ‫بروحي»‪.‬‬         ‫منزل‪ ،‬ترى من صاحب تلك الفكرة‬
                                                                                    ‫والظلم قرين الغضب في قصة‬
        ‫الخاتمة‪:‬‬                           ‫المذهلة‪ ،‬أن نصبح جماعات؟»‪،‬‬            ‫«كشف هيئة»‪ ،‬وقصة «قصاصات‬
                                          ‫ذلك الوعى الذي أدى إلى إنتاج‬
 ‫المجموعة القصصية ترانيم العجز‬        ‫تحول نوعي على مستوى الانفعال‪،‬‬                   ‫من دفاتر الذاكرة»‪ ،‬والذاكرة‬
       ‫للدكتور محمد فتحي محمد‬            ‫بالشكل الذي تغدو معه المسافة‬               ‫هنا مرتبطة بالمعاناة والتجارب‬
                                         ‫بين الهوية الاجتماعية والنسيج‬              ‫الحياتية‪ ،‬في مقابل ذلك نجد أن‬
   ‫سعى لحث المتلقي على ممارسة‬         ‫النفسي بعيدة عن قرب وقريبة عن‬                ‫الهروب من الرغبات الشخصية‬
   ‫القراءة المتعددة‪ ،‬لكونها خرجت‬        ‫بعد‪ ،‬ومن خلال هيمنة البصيرة‪،‬‬                ‫ُيعد حيلة من حيل الروح سعيًا‬
  ‫في تفاصيلها عن السرد التقليدي‪،‬‬
                                            ‫حين يقول‪« :‬كلها تساؤلات‪،‬‬                   ‫لإبراز استقلالها الذاتي في‬
     ‫واستشرفت الحقائق النفسية‬           ‫تنبؤات‪ ،‬الكل في انتظار الصحوة‪،‬‬           ‫مواجهة انحطاط العواطف أحيا ًنا‪،‬‬
  ‫للشخصيات عبر آليات الاختزال‬            ‫فلم ينهض المارد من غفوته‪ ،‬ولم‬            ‫وإحباطها الذي دفع الشخصيات‬
                                       ‫يتجل المدد»؛ فهوية الكاتب الثقافية‬       ‫إلى الإحساس بالبؤس والتعبير عنه‬
    ‫الوجودي‪ ،‬وترتيب الزمن وفق‬                                                     ‫من خلال الألم الدائم‪ ،‬الناتج عن‬
      ‫خلخلة القواعد التقليدية التي‬          ‫هنا تشمل كل ما هو مشترك‬              ‫محاولات تقديم الفعل الانعكاسي‪،‬‬
    ‫ُتلزم بالمقدمة والحدث‪ ،‬عاكسة‬          ‫بين أفراد المجتمع دون أن يفقد‬            ‫في قصة «الشجرة والمئذنة»‪ ،‬فلا‬
                                         ‫خصوصيته‪ ،‬والاغتراب المحكم‪،‬‬
  ‫حالات نفسية متعددة شيدت هذا‬            ‫حين يقول «فقد اعتاد أن يصرخ‬               ‫يستطيع الإنسان في هذة الحالة‬
   ‫البنيان السردي أبرزها (الوحدة‬          ‫بلا نبرات»‪ ،‬ذلك الاغتراب الذي‬               ‫سوى أن يقتل في نفسه تلك‬
                                         ‫كان داف ًعا للخلاص الاستيهامي‬
    ‫النفسية)‪ ،‬التي تعد ظاهرة من‬        ‫ومغادرة الحيز المكاني‪ ،‬عن طريق‬           ‫الرغبات المشروعة ويرتفع بعاطفته‬
    ‫ظواهر الحياة النفسية‪ ،‬يخبرها‬       ‫الحلم الذي تجلت رموزه في شكل‬                ‫نحو الجمال المطلق كما حدث في‬
 ‫الإنسان وتتسبب له في الإحساس‬         ‫أحداث وصور كما في قصة «ترانيم‬
    ‫بالألم والضيق والأسى‪ ،‬والتي‬       ‫العجز»‪ ،‬الحلم إ ًذا يعد مؤش ًرا دلاليًّا‬   ‫قصة «مدد»‪ ،‬أو أن تتحول العلاقة‬
‫تجلت أبعادها في نصوص المجموعة‬          ‫له أهميته في تصوير القلق والعجز‬           ‫مع الآخر إلى صراع وجود كما في‬
   ‫من خلال الانفعالات التي تشير‬           ‫و(الوحدة)؛ ففي الحلم تتماهى‬             ‫قصة «مات»‪ ،‬أو بالتمركز الذاتي‬
                                       ‫الانفعالات وتغيب الحدود الفاصلة‬
      ‫إلى غياب المؤشرات الإيجابية‬        ‫بين الحقيقة والوهم‪ ،‬واستخدام‬                ‫الذي يتحول إلى موقف محدد‬
      ‫كالسعادة‪ ،‬وسيادة حالة من‬           ‫الكاتب لـــ(الوصف) كآلية يدل‬               ‫يدل على أن الصمت أفضل لغة‬
  ‫الحرمان الذي يشير إلى العلاقات‬      ‫على تحولات الذات الفاعلة من خلال‬          ‫للحوار في قصة «جدل»؛ فنصوص‬
    ‫الغائبة وما تجلبه من إحساس‬         ‫استخدام ضمير المتكلم‪ ،‬فيقول في‬              ‫المجموعة لم تعد منشغلة بإثبات‬
‫بالخواء‪ ،‬واغتراب الذات الذي تجلى‬         ‫قصة «ترانيم العجز»‪« :‬كنت منذ‬              ‫هويتها الاجتماعية التي من أهم‬
     ‫في شعور الإنسان بالانفصال‬          ‫زمان بعيد أستشعر انفعالي بمثل‬            ‫إشكالياتها أنها تتموقع بين الثابت‬
   ‫عن الآخرين‪ ،‬والصمت التفاعلي‪،‬‬           ‫هذة الصور»‪ ،‬وعلاقة الإنسان‬             ‫والمطلق‪ ،‬وبين الانغلاق والانفتاح‪،‬‬
     ‫والقلق واليأس‪ ،‬الذي أدى إلى‬        ‫بالزمان والمكان في واقع معيشي‬              ‫وفي ذلك ينبغي علينا إيضاح أن‬
    ‫حالة من العزلة البينشخصية‪،‬‬           ‫مجهض للآمال؛ فبالرغم من أن‬               ‫لفظ (الهوية) لا يشتق من ضمير‬
 ‫التي تدل على كون الإنسان وحي ًدا‬                                                    ‫المتكلم المفرد (الأنا) إلا بمعنى‬
  ‫انفعاليًّا يعاني نقص في العلاقات‬                                                 ‫الأنانية في مقابل الغيرية‪ ،‬ولذلك‬
   ‫ذات المعنى‪ ،‬وسرعة الحساسية‬                                                   ‫أصبحت النصوص منشغلة بكشف‬
                                                                                     ‫النسيج النفسي للشخصيات؛‬
   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238