Page 232 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 232

‫العـدد ‪١٩‬‬                                  ‫‪230‬‬

                                         ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

      ‫الذي لا يمكن التعبير عنه إلا‬           ‫على افتراض أن الصمت يمثل البنية‬
   ‫من خلال دراما المواقف اليومية‬           ‫المعلنة التي شكلت تأويلات مرتبطة‬
‫ونوازع الوجدان‪ ،‬لذلك كان تكثيف‬           ‫بإنتاج المعاني وكشف الحقائق وخلق‬
  ‫القول نات ًجا عن صراع الفكر مع‬
‫ذاته؛ فيقول في قصة «كشف هيئة»‪:‬‬                ‫جملة من التناقضات‪ ،‬فالصمت الذي‬
‫«نظرت إلى عقارب الساعة المصلوبة‬            ‫تحول في النصوص إلى دراما لا يعني‬
‫على جدار المحطة»‪ ،‬ليصبح التساؤل‬             ‫نهاية الحياة؛ وإنما ُيعد آلية لكشف‬
  ‫حول معنى الزمان الزاخر بالبنيه‬         ‫اللحظات الإنسانية في معناها المتصل‬
  ‫اللغوية معب ًرا بشكل أو بآخر عن‬        ‫بالموت؛ فالصمت تجلى في حضور الذات‬
  ‫لا محدودية الانفعال‪ ،‬التي تطلبت‬
   ‫من الكاتب تأكيد واقعية الأفكار‪،‬‬                                       ‫إلى ذاتها‬
  ‫المستمدة من النظرية الرومانسية‬
    ‫للتمزق ‪ Fragment‬القائمة على‬          ‫الوجود المتجه نحو الموت مستدعيًا‬           ‫مع المتلقي‪ ،‬فاعتراف الإنسان‬
                                         ‫الأماكن‪ ،‬والمشاهد الأولية للرغبات‬          ‫بانفعالاته هو المنطلق الأصلي‬
     ‫فكرة وجود فراغ في الشعور‬            ‫غير المشبعة التي تم إسقاطها على‬         ‫لكل مقاربة عقلية سنسعى إليها‪،‬‬
    ‫تبدى في المثالية وكثرة الصور‬                                               ‫مؤكدين على الفروق الواضحة بين‬
    ‫الوصفية والإشارة للانفعالات‬            ‫الواقع‪ ،‬معتم ًدا على آلية الصمت‬     ‫إمكانية ظهور الانفعالات من جهة‪،‬‬
    ‫التي ترتبط بالمواقف الإنسانية‬           ‫الذي يمنح الحقيقة ماهيتها من‬
‫والعلاقات والموضوعات الخيالية(‪،)4‬‬          ‫وجهة نظر الكاتب‪ ،‬والتي تجلت‬                ‫وواقعيتها من جهة أخرى‪.‬‬
‫التساؤلات ُهنا تشمل سؤال الهوية‬           ‫بشدة في قصة «وجود‪ ..‬معاناة»؛‬
 ‫واللغة‪ ،‬وتوظيف الأفكار الفلسفية‬             ‫كأن الإحساس بالانهزامية لم‬        ‫أوًل‪ :‬تكثيف زمانية الخطاب‬
   ‫في النصوص الناتج عن تأملات‬
                                             ‫يأت من فراغ؛ فكل رغبة إنما‬           ‫على افتراض أن الوجود يسكن‬
                  ‫الذات للحقيقة‪.‬‬              ‫هى في الواقع فكرة(‪ ،)3‬تتسم‬        ‫اللغة كما يسكن السحاب السماء‪،‬‬
                                            ‫بنزعة انفعالية للموت الرمزي‪،‬‬         ‫فاللغة التي عليها توضيح حقيقة‬
‫ثانًياف‪:‬يالت ارصجميدتياكاعلانملصوشعصوري‬     ‫فيقول الشيطان للبطل في قصة‬
                                           ‫«الحقيقة»‪« :‬أيها الأحمق المتردد‪،‬‬       ‫ذلك الوجود في حاجة أي ًضا إلى‬
‫على افتراض أن الصمت يمثل البنية‬             ‫إنها المتعة واللذة‪ ،‬إنها أنت أيها‬       ‫توضيح وجودها‪ ،‬وهو الأمر‬
‫المعلنة التي شكلت تأويلات مرتبطة‬         ‫الدوني الوضيع‪ ،‬فما أنت إلا رغبة‬
                                          ‫لا تشبع»؛ ويقول البطل في قصة‬           ‫الذي عبر عنه «هيدجر» في قوله‬
    ‫بإنتاج المعاني وكشف الحقائق‬           ‫«كشف هيئة»‪« :‬ارتديت ملابسي‬               ‫«إن اللغة في الآن نفسه كاشفة‬
      ‫وخلق جملة من التناقضات‪،‬‬                ‫وانتصبت خار ًجا قاص ًدا البر‬          ‫وصاحبة وجود»(‪)2‬؛ فالإنسان‬
                                            ‫الغربي»‪ ،‬ليقف المتلقي في حلقة‬       ‫في نصوص «ترانيم العجز» يفكر‬
‫فالصمت الذي تحول في النصوص‬                   ‫مفرغة بين الروح التي ترغب‬          ‫من خلال اللغة‪ ،‬ويتكلم بالإنصات‬
    ‫إلى دراما لا يعني نهاية الحياة؛‬      ‫وبين الإحساس بالوحدة في قصة‬             ‫إلى اللغة‪ ،‬وحتى حياته الوجدانية‬
    ‫وإنما ُيعد آلية لكشف اللحظات‬            ‫«صورة»‪ ،‬وقصة «ضع القلم»‪،‬‬           ‫تعبر عن نفسها بوصفها كلا ًما من‬
                                                                                ‫خلال المزاج القلق المعبر عن أزمة‬
‫الإنسانية في معناها المتصل بالموت؛‬
   ‫فالصمت تجلى في حضور الذات‬
     ‫إلى ذاتها‪ ،‬من أجل استحضار‬
         ‫درجة قصوى من التوحد‬
    ‫ومجاوزة البؤس الذي فرضته‬
    ‫الحياة؛ لذلك كانت لا محدودية‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237