Page 225 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 225

‫‪223‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫فن تشكيلى‬

‫واستنطاق لحياة الإنسان الباطنية‬           ‫تتم َّشى في اللوحة في حلم يقظتك‬                             ‫الأدب‪.‬‬
    ‫والظاهرية‪ ،‬والحب والانتظار‬             ‫و ُت ْنص ُت لحديث الصمت العميق‬           ‫فإنك وحالما تق ُع عيناك على‬
   ‫والحلم والأمل هي موضوعات‬                 ‫والتأمل اللانهائي وكأن العالم‬          ‫لوحة من أعمالِه حتى تهتف‬
         ‫هذه المرحلة الغنية فنيًّا‪.‬‬      ‫قد تحول فجأة إلى قدا ٍس وصلا ٍة‬      ‫قائ ًل‪« :‬أستطيع رسمها»‪ ،‬وما إ ْن‬
                                            ‫دائمة الشوق والت َّطلع والتجدد‬     ‫تستغر ْق حتى تج َد نف َس َك غار ًقا‬
‫والثالثة وهي الأعمال التي تتناول‬                                                  ‫في بحر من الخطوط البسيطة‬
      ‫الأحداث الأخيرة في العالم‪،‬‬              ‫والاندفاع‪ ،‬وفي لحظة ما وفي‬       ‫والمعقدة م ًعا‪ ،‬والألوان الخالصة‬
                                          ‫ثورة انفعالك وتأملك تصل طاق ُة‬      ‫السكرانة الذائبة في بعضها بلط ٍف‬
‫والعراق خصو ًصا‪ ،‬ونجد أن هذه‬
‫المرحلة تحتفي بالإنسان الغاضب‬                 ‫الت ْخيِيل التي يصنعها العمل‬                           ‫وعناية‪.‬‬
                                            ‫فيك إلى ذروتها وتذهب بك إلى‬
      ‫الثائر‪ ،‬فهي تصور جماهير‬                ‫آفا ٍق جديدة كامنة في ذاتك لم‬
     ‫الشعب الغاضبة وهي تهتف‬                  ‫تكن تعلمها ولم تطأها بخيالك‬
    ‫ضد الحرب والفساد والموت‪،‬‬               ‫من قبل‪ ،‬فإذا بالسماوي يمتزج‬
 ‫وفيها يستعيد أبطال «سعد علي»‬              ‫بالأرضي والحقيقة بالأسطورة‬
   ‫صوتهم الغائب ويخرجون من‬
‫حالة الانتظار والتأمل إلى الحركة‬                ‫والواقع بالخيال والحركة‬
‫والعمل والتح ُّقق‪ ..‬وها هي أبواب‬            ‫بالسكون والصمت بالضجيج‪،‬‬
   ‫العراق ُتفت ُح وكأنها استجاب ْت‬         ‫وتبدأ الفوضى في شق مسارها‬
 ‫أخي ًرا لل َّط ْر ِق المتواصل وأنصت ْت‬  ‫على أرض اللوحة‪ .‬وبلمسة بسيطة‬
    ‫للهاتف البعيد الذي يأتيها من‬
      ‫أبنائها المشتتين في حضنها‬               ‫وأنيق ٍة تتجاور هذه الفوضى‬
 ‫والموزعين بين الأطلال وال َم َها ِجر‬      ‫محدثة تناغ ًما آس ًرا يكلل معظم‬

                       ‫والمنافي‪.‬‬                         ‫أعمال سعد علي‪.‬‬
     ‫وتمثل المراحل الثلاث منت ًجا‬             ‫ومن متابعتي لأعمال الفنان‬
    ‫فنيًّا يستف ُّز في الإنسان كل ما‬         ‫يمكنني تمييز ثلاث نقلات أو‬
   ‫هو طموح وحب وقوة وصدق‬                    ‫ربما مراحل فيها وهي كالآتي‪:‬‬

                       ‫وجمال‪.‬‬              ‫مرحلة الغربة الروحية والمكانية‬
      ‫فما هي هذه القوة أو الأداة‬            ‫داخل الوطن وضياع الصوت؛‬
     ‫التي تمنح عم ًل فنيًّا كل هذه‬        ‫وهي مرحلة تتمثل في الكثير من‬
   ‫الطاقة من التخييل لدى المتلقي‬         ‫لوحات مشروع باب الفرج‪ ،‬وهي‬
‫والجمهور‪ ..‬إنها عند صاحبنا قوة‬              ‫رسم على الخشب وكأنها َط ْر ٌق‬
  ‫الضغط والتكثيف‪ ،‬وإننا لن ْش ُع ُر‬      ‫متواصل على أبواب العراق المغلقة‬
 ‫بتعبير تشارلس مورجان ونحن‬
 ‫نتأمل بهذا التكثيف‪ ،‬فأنت تشعر‬                ‫الصامتة المنغلقة على نفسها‪،‬‬
   ‫أ َّن كل فضاءات الواقع والحلم‬           ‫ومحاولة لإخراج الفرد والعائلة‬
   ‫تزدحم في عقل الفنان وتضغط‬
    ‫على ذهنه وخياله وبالتالي على‬              ‫والشعب إلى الشارع والحياة‬
     ‫ريشته وألوانه‪ ،‬وأنت تبصر‬                          ‫والانفتاح والثورة‪.‬‬
  ‫وتتخيل فتنفتح أمامك سماواتك‬
  ‫أنت‪ ،‬واقعك وأحلامك أنت‪ .‬لأن‬               ‫الثانية مرحلة البحث عن الذات‬
 ‫هذا الضغط وهذا التكثيف اللذين‬              ‫والهوية ومحاولة إيجاد طريق‬
                                         ‫للخلاص وإقامة الفردوس المفقود‬
                                          ‫وإحياء الذرات المتب ِّقية من الروح‬
                                         ‫الحلوة في الإنسان والأشياء‪ .‬وهي‬
                                          ‫ذروة فنية في المعالجة والتشكيل‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230