Page 221 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 221

‫‪219‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رحلات‬

      ‫وفي هذا العالم الذي شكلت‬           ‫الوالي العثماني والحامية التي‬    ‫والاستيلاء على جدة تحدي ًدا مما‬
  ‫التجارة فيه عماده رأى بروس‪،‬‬         ‫كانت ترسلها الحكومة العثمانية‬       ‫يمكن علي بك من تحقيق أهدافه‪،‬‬
  ‫من منظور «استعماري» بحت‪،‬‬             ‫المركزية‪ ،‬وسعى المماليك للحكم‬
 ‫أن أهل مملكة سنار‪ ،‬التي توجه‬                                               ‫وفي منتصف العام ‪ 1770‬عبر‬
‫لها بعد اكتمال رحلته في الحبشة‪،‬‬           ‫الذاتي إن لم يكن الاستقلال‬        ‫جيشان مملوكيين إلى الحجاز‪.‬‬
                                            ‫عن الإمبراطورية‪ .‬واتبا ًعا‬    ‫وغزا الجيش الأكبر منهما بقيادة‬
      ‫لم يتحولوا للإسلام إلا من‬                                          ‫محمد بك أبو الدهب شبه الجزيرة‬
    ‫أجل التجارة مع القاهرة‪ ،‬كما‬            ‫لسياسة خارجية قائمة على‬       ‫فيما وراء السويس والعقبة‪ ،‬بينما‬
   ‫أن الإسلام والحكام المسلمين‬           ‫مصالح مصر التاريخية نظر‬          ‫توجه الجيش الثاني الأقل حج ًما‬
  ‫توسعوا جنو ًبا بحكم الضرورة‬              ‫القادة المماليك باهتمام بالغ‬    ‫بقيادة إسماعيل بك نحو ساحل‬
  ‫من أجل التجارة مع سنار‪ ،‬غير‬            ‫للقوة الأوروبية المنتشرة على‬        ‫الحجاز مباشرة‪ .‬وفي غضون‬
  ‫أن رواية الرحالة روبيني الذي‬          ‫سواحل الشام والبحر الأحمر‬
    ‫مر بسنار في القرن السادس‬           ‫وبالتجارة في هذه الأقاليم‪ ،‬كما‬         ‫ستة أشهر تم الاستيلاء على‬
   ‫عشر تؤكد أن الإسلام أصبح‬              ‫شجعوا التجارة الأوروبية في‬         ‫مكة وأصبح عبد الله شريفها‪،‬‬
                                         ‫السويس‪ ،‬ولهذا الغرض وقع‬           ‫وأطلق على علي بك لقب سلطان‬
       ‫دينًا حقيقيًّا بسنار وليس‬                                          ‫وملك مصر وقائد البحرين‪ ،‬ولم‬
     ‫مجرد واسطة للتجارة‪ ،‬فقد‬               ‫محمد بك (‪)1775 -1772‬‬             ‫تظل قوات علي بك طوي ًل في‬
   ‫استقبله الملك عمارة‪ ،‬وحسبما‬         ‫وخليفتاه إبراهيم بك ومراد بك‬       ‫الحجاز‪ ،.‬إذ سرعان أن أدار‬
    ‫أورد روبيني في رحلاته فقد‪:‬‬                                               ‫عينيه –كأسلافه‪ -‬نحو‬
  ‫«أكرمني إكرا ًما كبي ًرا‪ ،‬كما كان‬       ‫معاهدات تجارية مع الممثلين‬        ‫سورية الخصبة‪ ،‬وأعد‬
 ‫يكرم أحفاد الرسول (الأشراف)‬         ‫الإنجليز والفرنسيين‪ .‬وجذب هذا‬           ‫الجيش لغزوها‪ .‬لكن‬
   ‫الذين يعيشون في أرض كوش‬                                                  ‫أنباء حكمه القوي في‬
‫(سنار)‪ ..‬لقد أحبني الملك وجميع‬         ‫التشجيع مصالح تجارية كبيرة‬          ‫القاهرة وتوجهه نحو‬
   ‫خدمه واحترموني ونظروا إل َّي‬       ‫من التجار الإنجليز والفرنسيين‬
    ‫كأنني ملاك مرسل من الله»‪،‬‬         ‫والبنادقة والمجريين والعثمانيين‬         ‫تجارة البحر الأحمر‬
     ‫مع إشارته الواضحة إلى أن‬          ‫الذين قاموا لاح ًقا ببناء عدد من‬    ‫كانت قد وصلت للتجار‬
 ‫«حكام الفونج كانوا سو ًدا ومن‬         ‫البيوت التجارية ووضعوا عد ًدا‬
 ‫غير العرب»‪ ،‬وهي الإشارة التي‬         ‫من الآليات التجارية لتطوير هذا‬         ‫البريطانيين في جدة‪،‬‬
 ‫تدعمها رواية بروس حول هوية‬            ‫الطريق الجديد‪ .‬لكن الحكومتين‬       ‫حتى قبل توجهه إليها‪،‬‬
 ‫وأصل الفونج‪ ،‬وما تعززه أي ًضا‬          ‫الإنجليزية والفرنسية لم تكونا‬     ‫واقتنعوا بعدها بفكرة‬
‫وثيقة تعود لمنتصف القرن الثامن‬       ‫بنفس الحماس قل ًقا من المشكلات‬      ‫توريد السلع للسويس‬
‫عشر أشارت إلى حجة منح وقفية‬
    ‫لبعض الفقهاء‪ ،‬وصاحبها هو‬                ‫التي سيسببها الطريق مع‬              ‫بد ًل من جدة‪.‬‬
  ‫السلطان بادي الرابع (‪-1724‬‬           ‫الحكومة العثمانية‪ .‬وبالرغم من‬         ‫وفي نفس الوقت‬
 ‫‪ )1762‬ابن السلطان نول للفقيه‬         ‫فقد الحكومة العثمانية سيطرتها‬
                                     ‫العملية على مصر لصالح المماليك‪،‬‬           ‫مرت البكوية‬
               ‫مدني ولد محمد‪.‬‬        ‫فإنها حاولت وقف تطور التجارة‬         ‫المملوكية في مصر‪،‬‬
‫وسرد بروس قيام تجارة الفونج‬
                                          ‫الأوروبية في المنطقة بتجديد‬       ‫بعد معاناة القمع‬
    ‫على حركة القوافل التي كانت‬        ‫حظرها القديم على وجود السفن‬             ‫العثماني لأكثر‬
 ‫تحكمها الاتفاقات السياسية بين‬       ‫الأوروبية في البحر الأحمر شمال‬
                                       ‫جدة؛ وأمرت ولاتها في القاهرة‬        ‫من قرنين ونصف‬
    ‫السلطات المعنية‪ ،‬سواء داخل‬       ‫وجدة بالاستيلاء على حمولات أية‬         ‫القرن‪ ،‬بحركة بعث‬
   ‫السلطنة أو خارجها‪ .‬وأن دور‬        ‫سفن أوروبية تذهب إلى السويس‬         ‫وإحياء بقيادة الأمير‬
                                       ‫وسجن واسترقاق أطقم بحارة‬            ‫علي بك (‪-1760‬‬
                                                                           ‫‪ )1772‬وخلفائه؛‬
                                                         ‫هذه السفن‪.‬‬        ‫مما حجم سلطة‬
   216   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226