Page 217 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 217

‫‪215‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رحلات‬

‫سواحلها حتى شهر يوليو‪ ،‬حيث‬           ‫أسوان والبحر الأحمر ومصوع‬                     ‫عمر ناهز ‪ 63‬عا ًما‪.‬‬
‫وجد الطاعون ضار ًبا في أرجائها‬          ‫(‪)1769‬؛ ثم وصل العاصمة‬             ‫ولم ينطلق جيمس بروس في‬
  ‫والمناطق المجاورة له‪ ،‬وسار إلى‬                                        ‫رحلته إلى منابع النيل من فراغ‪،‬‬
 ‫رشيد ب ًّرا «لأن مصب نهر النيل‬     ‫الحبشية في وقته قندر ‪Gondar‬‬       ‫وهو ما يتجلى لنا عند النظر العابر‬
  ‫المؤدي إلى رشيد‪ ،‬وهو البوغاز‪،‬‬       ‫في ‪ 14‬فبراير ‪ ،1770‬وظل بها‬       ‫لسيرته؛ ففقد ورث‪ ،‬وفق خطاب‬
‫كان ضح ًل للغاية ويشكل المرور‬                                           ‫مؤرخ ‪ 19‬أكتوبر ‪( 1758‬عندما‬
‫فيه خطورة»‪ ،‬ووصل إلى القاهرة‬        ‫مدة عامين كاملين قبل أن ينتقل‬       ‫كان يبلغ ‪ 27‬عا ًما)‪ ،‬ثروة طائلة‬
                                      ‫منها إلى «مملكة سنار» القريبة‬        ‫من زيجته بابنة شريك كبير‬
   ‫في بداية يوليو وذهب مباشرة‬         ‫في عام ‪ ،1772‬ومنها عائ ًدا إلى‬     ‫في إحدى الشركات بعد وفاتها‬
    ‫إلى منزل «جوليان وبرتران»‬                                             ‫في باريس في غضون عام من‬
‫حيث أفصح لهما عن نيته بالقيام‬           ‫الإسكندرية عبر رحلة شاقة‬          ‫زواجهما‪ .‬وزار بروس بعدها‬
  ‫بالرحلة إلى الحبشة‪ ،‬ولاحظ في‬        ‫سال ًكا مسار نهر النيل‪ .‬وكانت‬         ‫إسبانيا والبرتغال لمدة ستة‬
   ‫القاهرة انتشار اليهود والترك‬        ‫رحلة بروس حتى ذلك الوقت‬           ‫أشهر بغرض العمل في الغالب‪،‬‬
     ‫والمغاربة والأقباط والفرنجة‬                                           ‫ثم فرنسا وهولندا لمدة ستة‬
   ‫المشاركين في النشاط التجاري‬         ‫من الرحلات القليلة التي قام‬       ‫أشهر أخرى‪ .‬ووجد في ترحاله‬
 ‫بالمدينة‪ ،‬وأن الفرنسيين يقطنون‬      ‫بها رحالة أوروبيون لقندر‪ ،‬مع‬         ‫المتواصل الوسيلة التي تروقه‬
 ‫في شارع خاص بهم في القاهرة‬                                               ‫لاستكمال حياته‪ .‬وفي إسبانيا‬
    ‫«وهو شارع مزدهر ويعيش‬               ‫ملاحظة أن الرحالة الأرمني‬     ‫اطلع على المصادر الأدبية العربية‪،‬‬
  ‫فيه جميع التجار الفرنسيين في‬       ‫يوهانز توفماشين ‪Yohannes‬‬            ‫كما اطلع في هولندا على الآداب‬
  ‫القاهرة ومغلق عند أحد طرفيه‬       ‫‪ T’ovmacean‬قد سبقه مباشرة‬            ‫الأثيوبية وخاصة أعمال جوب‬
 ‫ببوابة كبيرة تغلق دائ ًما في وقت‬                                        ‫لودولف ‪ Job Ludolf‬مؤسس‬
  ‫انتشار الطاعون‪ ،‬وعند الطرف‬           ‫لزيارتها‪ .‬وكان ملفتًا وصول‬        ‫الدراسات الأثيوبية في أوروبا‪.‬‬
     ‫الآخر توجد حديقة كبيرة»‪.‬‬      ‫بروس إلى منبع النيل الأزرق بعد‬         ‫وعاد إلى لندن عند وفاة والده‬
    ‫أما الفينيسي كارلو روزيتي‬       ‫حسابات فلكية وجغرافية دقيقة‪،‬‬      ‫لإدارة إرثه في كينارد ‪،Kinnaird‬‬
     ‫‪،Venetian Carlo Rosetti‬‬       ‫مع ملاحظة ما واجهته المعلومات‬      ‫وعمل قنص ًل بريطانيًا في الجزائر‬
   ‫الذي تعرف عليه بروس وكان‬        ‫التي أوردها في عمله المعروف من‬        ‫(‪ 1763‬وما بعد) مستغ ًّل هذه‬
   ‫وسيلته للتقرب لعلي بك حاكم‬      ‫تشكيك علماء في لندن في صحتها‪،‬‬      ‫الفترة في دراسة العديد من الآثار‬
‫مصر حينذاك‪ ،‬فقد «كان شا ًّبا ذو‬                                        ‫القديمة بشمال أفريقيا وتسجيل‬
 ‫قدرة كبيرة على فرض سيطرته‬              ‫غير أن تقارير الرحالة الذين‬       ‫ما شاهده من آثارها ورسوم‬
   ‫التامة على البك لعدة سنوات»‪،‬‬      ‫أعقبوه أكدت دقة رصده بشكل‬
‫حسب ملاحظة بروس الذي يكتظ‬                                                                    ‫كهوفها‪.‬‬
  ‫عمله بملاحظات ثاقبة وحاسمة‬                             ‫متصاعد‪.‬‬          ‫وسافر بروس –المدفوع بولع‬
  ‫في واقع الأمر‪ .‬وساعد روزيتي‬                                          ‫شخصي بالغ ودعم من سلطات‬
  ‫بروس في مسعاه للحصول على‬         ‫عالم البحر الأحمر وحوض‬                ‫الإمبراطورية البريطانية‪ -‬بد ًءا‬
  ‫خطابات توصية لحاكم أسوان‬          ‫النيل في النصف الثاني‬
   ‫وإبريم ودير في صعيد مصر‪،‬‬         ‫من القرن الثامن عشر‬                      ‫من العام ‪ 1765‬عبر البحر‬
‫وخطابات توصية من علي بك لبك‬                                               ‫المتوسط وزار سورية قبل أن‬
   ‫السويس وشريف مكة ونائب‬               ‫فصل بروس‪ ،‬في عمله الذي‬           ‫يصل إلى الإسكندرية في يوليو‬
     ‫مصوع وملك سنار ووزيره‬             ‫يقع في خمسة مجلدات كبيرة‬            ‫‪ .1768‬وغادر القاهرة بهدف‬
                                      ‫إضافة إلى مجلد كامل للصور‬        ‫الوصول إلى منبع النيل في رحلة‬
                       ‫حينذاك‪.‬‬       ‫والخرائط‪ ،‬المحطات الواقعة على‬      ‫شاقة بمحاذاة النيل ووصل إلى‬
                                     ‫طرق التجارة والحج والعواصم‬
                                   ‫والمدن الهامة التي مر بها وصو ًل‬
                                    ‫إلى قندر‪ ،‬العاصمة الحبشية‪ ،‬فقد‬
                                       ‫وصل إلى الإسكندرية في ‪20‬‬
                                     ‫يونيو ‪ 1768‬وظل مراب ًضا أمام‬
   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221   222