Page 212 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 212

‫العـدد ‪١٩‬‬                               ‫‪210‬‬

                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

  ‫فك ّل دعوى تحتاج إلى شيء من‬          ‫المنهج أو ذاك‪ ،‬كما أنه لا يكفي‬          ‫يقوم الأستاذ بوضع الفروض‬
‫التطرف في الإيمان بها‪ ،‬خصو ًصا‬         ‫أب ًدا أن تقرأ كتا ًبا أو أكثر لأحد‬    ‫ومناقشة تلاميذه الذين يتولون‬
‫إذا كانت تواجه خصو ًما أشداء في‬        ‫أساتذة هذا الجيل‪ ،‬من المهم أن‬        ‫تطوير تلك الفروض واختبارها في‬
                                     ‫ُنك ّون رؤية متكاملة عن كل ناقد‪،‬‬        ‫مقالات ودراسات‪ ،‬هكذا كان طه‬
                ‫المعاهد المحافظة‪.‬‬   ‫بحيث نضعه في سياقه ونشير إلى‬             ‫حسين أستا ًذا عظي ًما وكان جابر‬
   ‫لقد بدأ معظم أبناء جيلي كتابة‬     ‫مقاصده الكلية ونناقش فروضه‬
‫النقد بعد اجتياح الكويت وسقوط‬                                                   ‫عصفور مث ًل امتدا ًدا لمدرسته‬
  ‫أفكار القومية العربية والجامعة‬         ‫ونبني فوقها‪ ،‬ولا تنفي هذه‬              ‫أو تياره عبر سهير القلماوي‪،‬‬
   ‫العربية‪ ،‬وبشكل عام بعد فشل‬        ‫الرؤية ما بينهم من صلات قوية‬             ‫وكان الشيّخ أمين الخولي رأس‬
   ‫الدولة القومية التي نشأت بعد‬     ‫وطموح جامع؛ باعتبارهم ‪-‬بشكل‬              ‫(مدرسة الأمناء) وما أج ّل دوره‬
   ‫الاستعمار في كل ما وعدت به‪،‬‬       ‫عام‪ -‬أبناء واقع ثقافي وسياسي‬              ‫وأعظم تأثيره في تلاميذه‪ ،‬كان‬
    ‫وما أدى إليه ذلك من صعود‬        ‫متقارب‪ ،‬وجمعتهم هموم واحدة‪.‬‬               ‫الخولي أستا ًذا مباش ًرا لعشرات‬
                                    ‫لدي كثير من جيلي تصور خاطئ‬              ‫الأسماء المُه ّمة منهم‪ :‬شكري عيّاد‬
     ‫الأصولية الإسلامية في أكثر‬                                              ‫ومصطفى ناصف‪ ..‬ثم ماذا؟ أين‬
     ‫من قطر عربي‪ ،‬وتعثر خطى‬             ‫عن هذا الجيل‪ ،‬فهم يتهمونهم‬             ‫تلاميذ شكري عيّاد ومصطفى‬
‫الديمقراطية ورداءة التعليم‪ ..‬إلخ‪.‬‬         ‫بأنهم مسؤولون عن تعقيد‬              ‫ناصف وجابر عصفور وصلاح‬
    ‫لقد كتب جيلي في سياق طللي‪،‬‬           ‫النقد وإثقاله بالآراء الغربية‬
 ‫فلم تبق من المدينة القديمة سوى‬                                                              ‫فضل وغيرهم؟‬
  ‫جداريات ممزقة لا تحمل معنى‬        ‫والمصطلحات النقدية‪ ..‬وهذا اتهام‬             ‫من ال َّصعب أن تجيب على هذا‬
‫ولا تعد به‪ ،‬فقد انتهت السرديات‬          ‫لا يمكن نفيه تما ًما ولا يمكن‬            ‫التساؤل‪ ،‬ولكن من المفترض‬
   ‫الكبرى‪ ،‬والأفكار اليقينية التي‬                                             ‫أن جيلي والجيل الذي سبقه هم‬
 ‫تخ ّص المجتمع والسياسة والدين‬      ‫القبول به بالكلية‪ ..‬لماذا؟ لأن النقد‬      ‫تلاميذ هؤلاء‪ ،‬ولكنني أصارحك‬
     ‫وال ّشعر والسرد‪ .‬جيلي لديه‬        ‫صار معرف ًة علمية‪ ،‬وشأن كل‬               ‫القول‪ :‬إن ثمة قطيعة معرفية‬
 ‫شكوك وإحباطات كثيرة‪ ،‬ويسير‬                                                     ‫وإنسانية لا يريد أحد الحديث‬
  ‫في طريق أشبه بالمتاهة‪ ،‬وأحيا ًنا‬    ‫معرفة علمية‪ ،‬أنها لا تتاح لعامة‬           ‫عنها؛ فلم تنتقل فروض جابر‬
 ‫يشعر أنه في صراع مع أساتذته‪،‬‬         ‫الناس‪ ،‬ويمكن تعليمها للخاصة‬           ‫عصفور ومصطفى ناصف وعياد‬
     ‫ولع ّل هذا ما يفسر لك كثرة‬                                                 ‫إلى الجيل التالي على نحو وا ٍع‬
   ‫استشهادهم بالنقاد الغربيين‪،‬‬           ‫من ال ّدراسين‪ ،‬هناك بالتأكيد‬          ‫مدروس‪ ،‬لا يعرف جيلي منجز‬
‫وأحيا ًنا يستشهدون بنقاد غربيين‬        ‫بعض الكتابات التي تط ّرفت في‬         ‫أساتذته بما يكفي‪ ،‬رغم أنه الجيل‬

                                         ‫مسألة العلميّة‪ ،‬لدينا كتابات‬               ‫الذهبي الذي صعد بالنِّقد‬
                                       ‫تشبه الألغاز‪ ،‬ولدينا خطاطات‬                   ‫إلى الذروة‪ ،‬فلم ُنق ّدم له‬
                                        ‫هندسية من ال َّصعب تبريرها‪،‬‬                   ‫المقاربات المطلوبة‪ ،‬ولم‬
                                    ‫ولكني في الوقت نفسه أتفهم ذلك‪،‬‬
                                                                                   ‫نناقش فروضه بما يكفي‪،‬‬
‫صلاح رزق‬  ‫مصطفى ناصف‬                ‫علي مبارك‬                                       ‫لم نهضمه على نحو جيد‬
                                                                                   ‫كما سبق أن فعلوا هم مع‬

                                                                                      ‫أساتذتهم‪ ،‬وهذا وضع‬
                                                                                       ‫مؤلم‪ ،‬وكثي ًرا ما كتبت‬
                                                                                  ‫داعيًا إلى تجاوزه؛ لا يمكننا‬
                                                                                       ‫أن نمضي وكأن النقد‬
                                                                                   ‫العربي بلا ذاكرة‪ ،‬أو كأنه‬
                                                                                  ‫بدأ في التّو واللحظة مع هذا‬
   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216   217