Page 215 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 215

‫ال ّذ ْود عنه‪،‬‬                     ‫على وسائل التّواصل تكتب أشياء‬
                                          ‫وهذا يتعلق‬                             ‫كثيرة‪ ،‬تكتب القصة القصيرة‬
                                          ‫بال ّشعر‬                              ‫والقصيرة ج ًّدا‪ ،‬ويكتب ال ّشعر‬
                                                                                 ‫أي ًضا‪ ،‬ولكنك مشغول بال ّشعر‬
                                          ‫دون سواه‪،‬‬
                                                                              ‫دون سواه من فنون القول‪ ،‬أنت‬
                                          ‫أو لنقل إنه‬                            ‫قلق على مستقبل ال ّشعر أكثر‬

                                          ‫إحساس‬                                ‫من سواه‪ ،‬ليس لأنك شاعر مه ّم‬
                                          ‫بال ّشعر دون‬                          ‫فحسب‪ ،‬وإنما لأننا نتحدث عن‬

                                          ‫سواه من‬                                   ‫ال ّشعر‪ ،‬عن قدس أقداسنا!‬
                                                                                   ‫فالعرب ّي يعتبر ال ّشعر ُقدس‬
                                          ‫فنون القول‪.‬‬                             ‫أقداسه‪ ،‬ويتخوف عليه‪ ،‬وكل‬
                                                                              ‫شاعر يعتبر نفسه حارس تقاليد‬
‫أمين الخولي‬  ‫محمود عباس العقاد‬            ‫وأنت تعلم‬                             ‫ال ّشعر وحامي «بيضة خدره»‪،‬‬
                                                                             ‫وقد يحدث أن يثور ال ّشاعر المجدد‬
                                          ‫أنه لم يحدث‬                            ‫على التقاليد الموروثة‪ ،‬وتسفر‬
                                          ‫أي سجا ٍل يذكر بين الأجيال على‬        ‫ثورته عن تقاليد جديدة‪ ،‬ولكن‬
‫وأضع عليها أ ّي شكل من أشكال‬                 ‫ال ّسرد‪ ،‬فنحن ننتقل من جيل‬         ‫اللافت أن هذا الثائر سري ًعا ما‬
‫التفاعل الإيجابية‪ ،‬وكثي ًرا ما أضع‬           ‫سرد ّي إلى جيل سردي آخر‬          ‫يصبح حار ًسا للتقاليد ال ّشعرية‪،‬‬
                                           ‫ببساطة ودون ضجيج‪ ،‬نحن لا‬             ‫ومداف ًعا عنها‪ ،‬لقد ثار الأستاذ‬
  ‫عليها هذه العلامة الحمراء التي‬             ‫نشعر بالقلق لأن جي ًل سرد ًّيا‬    ‫العقاد على أحمد شوقي وحافظ‬
                                           ‫جدي ًدا أخذ يفكر بطريقة مغايرة‬       ‫إبراهيم‪ ،‬وفتح با ًبا للتجديد في‬
 ‫تشير إلى القلب الأحمر وأراها‬             ‫في ماهية ال ّسرد‪ ،‬ويتجاوز طرائق‬       ‫شكل ال ّشعر وفي لغته وأخيلته‪،‬‬
‫تشبه حبّة الفراولة‪ .‬لقد أحببت‬                 ‫الآباء المؤسسين‪ ،‬متفاع ًل مع‬      ‫ولكنه وقف على نحو صلب في‬
‫هذه النصوص التي تقول كلا ًما‬                                                 ‫أخريات حياته من قصيدة التفعيلة‬
‫عاد ًّيا‪ ،‬بل تقول كلا ًما مفر ًطا في‬      ‫أشكال الكتابة السردية حول‬             ‫التي كان يكتبها الشباب وقتها‬
                                                                                 ‫عبد الصبور وحجازي‪ ،‬وبعد‬
                      ‫عاديته‪.‬‬                                                    ‫أن استقرت جماليات قصيدة‬
                                                                              ‫التفعيلة نجد حجازي يقف اليوم‬
‫الفيس بوك وغيره من وسائل‬                                                        ‫الموقف نفسه الذي في مواجهة‬
‫العالم‪ ..‬الإيمان بالشعر كامن في التواصل ليست منجزات عادية‪،‬‬                        ‫«قصيدة النثر»‪ ..‬القضية هنا‬
                                          ‫أعمق أعماقنا‪ ،‬ولا أظن السرد‬         ‫أكبر من مجرد التجديد والتقليد‪،‬‬
‫هناك أشكال كتابية جديدة ترتبط‬                                                   ‫وأكبر من مجرد ثورة الشباب‬
                                          ‫هكذا!‬                                ‫ومحافظة الشيوخ‪ ،‬نحن نتحدث‬
‫بها‪ ،‬كالبوست والتويتة والصورة‬             ‫أنت قلق على مستقبل ال ّشعر‬         ‫عن شيء عميق يستقر في لا وعي‬
                                                                              ‫العربي عن الشعر تحدي ًدا‪ ،‬يمكن‬
‫والكوميك‪ ..‬وأنا مشغول بهذه‬                                                    ‫أن تسميه «الإحساس التاريخي»‬
‫وتتحدث (عن شعراء يحفظون الأشكال‪ ،‬وقد سبق أن تحدثت‬                                 ‫بضروة استمرار الماضي‪ ،‬أو‬
‫توازنه ويضمنون مستقبله)‪ ،‬هل عن بلاغة البوست في أكثر من‬                       ‫ضرورة بعث الماضي في الحاضر‪،‬‬
             ‫أصدمك لو قلت لك إن عبارتك مقالة‪ ..‬كل هذا مفهوم ج ًّدا‪،‬‬             ‫وهذا الإحساس بالتاريخ يجب‬
‫هذه ذكرتني باعتراض العقاد على ولا أحد يمكنه أن يغامر بتوقع‬
‫شعراء قصيدة التفعيلة‪ ،‬واعتراض مستقبل الشعر‪ ،‬الفيس بوك أداة‬
‫الشاعر حجازي ‪-‬من بعده‪ -‬على حية‪ ،‬وليست جامدة‪ ،‬وقد خلق‬
 ‫أشكا ًل تتناسب معه‪ ،‬تما ًما كما‬          ‫شعراء قصيدة النثر؟ بالنسبة لي‬
‫سبق أن أوجدت الجرائد اليومية‬              ‫لا أحد يضمن أي شيء‪ ،‬فال ّشعر‬

             ‫فن المقال بأشكاله المختلفة‪.‬‬  ‫الآن يتعرض لاختبار شديد‪،‬‬

‫وحين أتابع القصائد التي ينشرها المستقبل يعد بتغيرات كبيرة‪ ،‬ربما‬
                                          ‫الشعراء الشباب على مواقع‬
             ‫أكبر من قدرتنا على التخيل‬
                                          ‫التواصل أقول لنفسي‪ :‬هذه‬

                                          ‫قصيدة فيسبوكية‪ ،‬وحين أقرؤها‬

                                          ‫أعجب بها‪ ،‬أعجب بها سري ًعا كما‬
                                          ‫أعجب بالبوستات التي تكتبها أنت‬
   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220