Page 211 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 211

‫‪209‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حـوار‬

  ‫مكاسب ولكل صيغة خسائرها‪،‬‬              ‫والمنضبطة‪ ،‬وهم يعرفون جمي ًعا‬               ‫كثيرة من اللسانيين‬
  ‫لقد اكتسبنا ثقافة نوعية عميقة‪،‬‬           ‫النّقد الغرب ّي معرفة مباشرة‪،‬‬          ‫الغربيين أكثر مما يجد‬
   ‫وتغيّر مفهومنا لل ِّشعر وال َّسرد‬                                             ‫إحالات على نقاد عرب‪.‬‬
                                        ‫وحاولوا ‪-‬ك ٌّل بطريقته‪ -‬توظيف‬
   ‫وللفنون بشكل عام‪ ،‬لقد علمنا‬                  ‫المنجز الغربي في مقاربة‬           ‫أنت تتحدث عن (الجيل الذهبي)‬
 ‫هذا النقد كيف ننزل ال ّشعر منزل‬                                                       ‫من النّقاد المصريين‪ ،‬الذين‬
                                           ‫النصوص العربية‪ ،‬لقد أسدوا‬
   ‫الإجلال والإكبار‪ ،‬لم يعد النقد‬          ‫خدمات جليلة للثقافة العربية‬               ‫هضموا بشكل مباشر منجز‬
     ‫عم ًل بسي ًطا‪ ،‬ولم يعد ال ّشعر‬        ‫بالتّأكيد‪ ،‬ولكنهم ‪-‬دون قصد‬                ‫جيل الأساتذة ال ّرواد وكانوا‬
                                       ‫منهم‪ -‬جعلوا النقد معرفة نخبوية‬            ‫امتدا ًدا طبيعيًّا لهم‪ ،‬لقد خطا هذا‬
  ‫وال ّسرد مجرد فنون يشغل بها‬              ‫بامتياز؛ فلم يعد النّقد يخاطب‬             ‫الجيل بالنّقد والتّراث النّقد ّي‬
 ‫المتلقي وقت فراغه‪ .‬يجب أن نق ّر‬             ‫المثقف العام‪ ،‬ولم يعد الناقد‬        ‫وبالثّقافة العربية عمو ًما خطوات‬
                                       ‫‪-‬تحت وطأة المناهج الحداثية وما‬             ‫غير مسبوقة‪ ،‬على اختلاف فيما‬
   ‫بذلك‪ ،‬ولكننا في المقابل خسرنا‬          ‫بعدها‪ -‬معنيًا بدوره التنوير ّي‬          ‫بينهم بالطبع؛ فمن ال ّصعب ج ًّدا‬
‫المتلقي العام‪ ،‬وتنازل المثقف العام‬      ‫الذي قام به أساتذة جيل النهضة‬             ‫وضعهم جمي ًعا في خانة واحدة؛‬
                                                                                 ‫فالبون شاسع بين ما كان يكتبه‬
   ‫‪-‬فيما يقول شكري عيّاد‪ -‬عن‬                                 ‫خير قيام‪.‬‬              ‫غالي شكري وما قدمه شكري‬
 ‫النقد «ل ُثلّة من النقاد والمبدعين»‪،‬‬   ‫لنتذكر مث ًل أ ّن ال َّسيد العميد ق ّدم‬    ‫عيّاد ومصطفى ناصف وجابر‬
  ‫لم تكن خسارة هذا المتلقي عم ًل‬       ‫نقو ًدا مه ّم ًة على صفحات الجرائد‪،‬‬        ‫عصفور وصلاح فضل ومحمد‬
 ‫هينًا‪ ،‬ولم تكن التضحية به جيدة‬
‫على أي مستوى؛ فنحن أمة تتلمس‬              ‫أقول هذا وفي ذهني كتاب مثل‬                           ‫عبد المطلب‪ ..‬إلخ‪.‬‬
                                       ‫(حديث الأربعاء)‪ ،‬لقد كان العميد‬              ‫ولكن بشكل عام يمكن القول‪:‬‬
    ‫طريقها نحو العلمنة ومجتمع‬                                                    ‫لقد صار النقد على يد هذا الجيل‬
‫المعرفة‪ ،‬وتضطرب بها السبل أش ّد‬             ‫يخاطب المثقف العام‪ ،‬ويتلقى‬            ‫معرفة علميّة منهجيّة منضبطة‪،‬‬
                                        ‫منه الردود عقب كل مقالة‪ ،‬ويرد‬             ‫جاء ذلك لنضج النظرية النقدية‬
   ‫الاضطراب‪ ،‬ويختلط في عينيها‬          ‫عليها في المقالة التّالية‪ ،‬كان العميد‬     ‫الغربية‪ ،‬بعد أن اتصلت بالنموذج‬
  ‫الماضي بالحاضر‪ ،‬لم يكن مفي ًدا‬         ‫مشغو ًل بما يمكن أن نطلق عليه‬
‫أن يغدو النقد نشا ًطا نخبو ًّيا‪ ،‬وأن‬   ‫«الهوية الجمالية العربية» التي من‬               ‫اللّساني بكشوفاته الكبيرة‬
 ‫يتراجع معه دور الأدب‪ ،‬وللأدب‬            ‫غايتها الأساسية وصل الإنسان‬

    ‫وظيفة اجتماعية عظيمة الأثر‪،‬‬               ‫العربي في القرن العشرين‬
  ‫رغم أنه لا ُيعلن عن ذلك بشكل‬             ‫بجماليات تراثه‪ ،‬والتأكيد على‬
                                         ‫حداثة هذه الجماليات‪ ..‬لقد كان‬
    ‫مباشر ولا ُيح ّب أن يبوح به‪.‬‬            ‫ال ّرواد معنيين إلى أقصى حد‬
   ‫قبل أن أتحدث عن علاقة جيلي‬           ‫بحاجات المجتمع ومطالبه وموقع‬
   ‫بـ(الجيل الذهبي) دعني أف ِّسر‬
   ‫لماذا أصفهم بهذا الوصف‪ ،‬لقد‬               ‫الفنون فيه وتأثيرها عليه‪..‬‬
   ‫كانوا آخر حبّة في (تيّار) النقد‬         ‫ُك ّل هذه الأفكار ألقى بها النقد‬
                                          ‫البنيو ّي وما بعد البنيوي خلف‬
     ‫والثقافة المصرية‪ ،‬أشدد هنا‬           ‫ظهره‪ ،‬واعتبرها من المحرمات‬
    ‫على مفهوم (التَّيار) لقد كانوا‬
    ‫تلاميذ الجيل السابق‪ ،‬وأقصد‬               ‫التي لا يجب الحديث عنها‪.‬‬
    ‫بالتلمذة هنا معناها (العلم ّي)‬         ‫لقد ق ّدم (الجيل الذهبي) نق ًدا‬
     ‫وليس (الإدار ّي)‪ ،‬لقد عاشت‬         ‫عمي ًقا دون ش ّك‪ ،‬بل قل‪ :‬إن النّقد‬
 ‫الثقافة المصرية فترة ذهبية قبيل‬           ‫الذي قدموه لم تعرف العربية‬
  ‫ثورة الضباط في يوليو‪1952‬م‪،‬‬           ‫مثله من قبل‪ ،‬لقد كان ن ْقلة مذهلة‪،‬‬
    ‫كنا إزاء تيارات فكرية ونقدية‬
     ‫متصلة‪ ،‬وإزاء حركة ناهضة‬                 ‫ولكن كما يقال‪ :‬لكل صيغة‬
     ‫بدأت في القرن التاسع عشر‪،‬‬
   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216