Page 207 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 207

‫‪205‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حـوار‬

   ‫أ ّن النقد العربي المعاصر يدين‬                 ‫حاوره ‪:‬‬                    ‫والاستشراف‪ ،‬فالمثقف ليس هو‬
              ‫لحدثين أساسيين‪:‬‬                                               ‫الذي يقرأ كثي ًرا ويتذكر ما يقرأه‬
                                            ‫سمير درويش‬                      ‫ويردد بعضه‪ ،‬ولكن الذي تجعله‬
  ‫الأول‪ :‬مدرسة الديوان (العقاد‪،‬‬                                            ‫القراءة يرى‪ ،‬هؤلاء قليلون في كل‬
‫المازن ّي‪ ،‬شكري) هي الموجة الأولى‬       ‫أدافع عن شكل معين‪ ،‬أو أتخوف‬
‫الأكثر تأثي ًرا في النقد العربي‪ ،‬وما‬     ‫من أن يذهب الشعر أي مذهب‪،‬‬            ‫جيل‪ ،‬كما يقول في هذا الحوار‪،‬‬
 ‫سبقها كانت مجرد آراء متناثرة‪،‬‬          ‫وإنما أردت الإشارة إلى ما يف ِّرق‬   ‫أولئك الذين يحافظون على متانة‬
                                                                           ‫الخيط الذي يصل الأجيال بعضها‬
    ‫ومع هذه المدرسة يكتب النقد‬          ‫الشعر –كف ٍّن‪ -‬عن الكلام العادي‪،‬‬   ‫ببعض‪ ،‬ويحافظون على نقاء وبقاء‬
  ‫المعاصر جملته الأساسية‪ ،‬بأثر‬          ‫أقصد أن الدهشة هي التي تحفظ‬
    ‫كبير من الرومانتيكية الغربية‬       ‫توازن الشعر لا الشكل الذي أكتبه‬        ‫النوع الذي يكتبونه‪ ،‬إلى جانب‬
  ‫ومن بعدها لم يعد النقد العربي‬                                                        ‫قدرتهم على التفاؤل‪.‬‬
                                          ‫أو يكتبه غيري‪ ،‬فما ألاحظه أن‬
     ‫كما كان‪ ،‬وأنت تعلم بالتأكيد‬          ‫كتابات الفيس بوك في معظمها‬       ‫حصل محمد عبد الباسط عيد على‬
  ‫أن ر ّواد هذه المدرسة لم يكونوا‬      ‫تفتقر إلى تلك الدهشة وأن الاتجاه‬        ‫الماجستير من قسم الدراسات‬
  ‫من حملة الشهادات العالية‪ ،‬وأ َّن‬        ‫العام ربما يقودنا إليها‪ ،‬كما أن‬     ‫الأدبية بدار العلوم عام ‪2003‬‬
  ‫كثي ًرا من الأفكار التي طرحوها‬        ‫الغلو في تشجيع أي جديد –لمجرد‬         ‫عن موضوع «النص المدحي في‬
  ‫تبلورت عبر السجالات المو ّسعة‬
  ‫على صفحات الجرائد والمجلات‬                ‫أنه جديد‪ -‬قد يعلي من قيمة‬      ‫العصر الأيوبي في مصر‪ -‬دراسة‬
                                       ‫العادي ويرفعه إلى درجة الشعر‪..‬‬           ‫نصية تحليلية»‪ ،‬وحصل على‬
                       ‫الثقافية‪.‬‬
 ‫لقد حرث الديوانيون أرض النقد‬               ‫العادي أقصد وليس العادي‬         ‫درجة الدكتوراه من نفس القسم‬
                                                                ‫الفني‪.‬‬       ‫عام ‪ 2008‬عن موضوع «شعر‬
     ‫بقوة وبغير قليل من العنف‪،‬‬                                               ‫البهاء زهير‪ -‬دراسة أسلوبية»‪،‬‬
 ‫وأعادوا التفكير في مفهوم الشعر‬           ‫تنتمي إلى جيل من‬                  ‫وأصدر ستة كتب يد َّرس بعضها‬
                                        ‫النقاد يعمل معظمه خارج‬
   ‫وفي علاقته بالفنون‪ ،‬بل أعادوا‬        ‫الجامعة‪ ،‬لا أريد أن أعدد‬                 ‫في جامعات خليجية‪ :‬النص‬
       ‫التفكير في التّراث الإبداعي‬      ‫لك الأسماء فأنت تعرفها‬              ‫والخطاب قراءة في علوم القرآن‪،‬‬
                                       ‫أكثر مني‪ ،‬لكن اللافت أنهم‬           ‫في حجاج النص الشعري‪ ،‬الرواية‬
    ‫والبلاغي بشكل عام‪ ،‬لقد كان‬           ‫أكثر اشتبا ًكا مع الواقع‬          ‫والتراث السردي قراءة في الرواية‬
‫مفهوم «التجديد» عند العقاد مث ًل‬        ‫الأدبي المصري والعربي‪،‬‬               ‫العربية الجديدة‪ ،‬بلاغة الخطاب‬
 ‫لا ينفصل بأ ّي حال من الأحوال‬          ‫والعالمي أي ًضا‪ ،‬أكثر من‬            ‫قراءة في شعرية المديح‪ ،‬الخطاب‬
‫عن مفهوم الحرية الفردية‪ ،‬لنتذكر‬         ‫الأساتذة الذين يشتغلون‬
                                        ‫في الجامعة‪ ،‬كيف يمكن‬                  ‫النقدي‪ ..‬التراث والتأويل‪ ..‬إلى‬
     ‫هنا أ ّن جانبًا من هذه الأفكار‬                                           ‫جانب دراسته للماجستير‪ .‬كما‬
  ‫المهمة سبقت ثورة المصريين في‬                 ‫فهم ذلك؟‬                      ‫نال جائزة الطيب صالح العالمية‬
‫‪1919‬م‪ ،‬وأ َّن الحديث حول ال ّشعر‬                                             ‫للإبداع الكتابي عام ‪ 2013‬فرع‬
                                          ‫دعني أقل لك شيئًا ربما يغيب‬      ‫الدراسات النقدية عن بحث عنوانه‬
    ‫لم يج ِر في الغرف المغلقة‪ ،‬لقد‬     ‫عن بال الكثيرين وهو أ ّن الموجات‬
    ‫كان شوقي يملأ الدنيا‪ ،‬وكان‬                                                   ‫«مظاهر التراث السردي في‬
     ‫العقاد ‪-‬رحمه الله‪ -‬مشغو ًل‬           ‫الأساسية في نقدنا المعاصر لم‬             ‫الرواية العربية الجديدة»‪.‬‬
  ‫إلى أقصى ح ٍّد بال ّشعر‪ ،‬وكان في‬      ‫تخرج من الجامعة‪ ،‬وفي تقديري‬
    ‫الوقت نفسه مشغو ًل بما كان‬                                               ‫أخي ًرا‪ ،‬قبل أن أترك القارئ لهذا‬
    ‫يطلق عليه بـ»حاجة المجتمع»‬                                                 ‫الحوار‪ ،‬أود الإشارة إلى أنني‬
     ‫الناهض إلى التحرر من قيود‬                                                   ‫حين قلت في سؤالي الأخير‪:‬‬
   ‫الزينة وال َّش ْكل‪ ،‬لقد نفث العقاد‬
  ‫في مفهوم «التجديد» من روحه‪،‬‬                                                ‫«أم ترى أن الساحة بها شعراء‬
  ‫وجعله أحد أهم المفهومات أوائل‬                                                   ‫يحفظون لهذا الفن توازنه‬

                                                                               ‫ويضمنون مستقبله»؛ لم أكن‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212