Page 204 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 204

‫الملف الثقـافي‬                 ‫العـدد ‪١٩‬‬                                       ‫‪202‬‬

                               ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                                  ‫الإمام من يفوض إليه تدبير‬
                                                                           ‫الأمور برأيه وإمضاءها على‬
    ‫وغيرهم من أكابر الخليقة‪،‬‬       ‫نقد ابن خلدون في مقدمته‬        ‫أبو‬      ‫اجتهاده‪ ،‬وليس يمتنع جواز‬
 ‫ولا يكشف عن التحقيق قنا ًعا‬        ‫حول مدونة شبيهة ممثلة‬       ‫الحسن‬      ‫هذه الوزارة‪ .‬قال الله تعالى‬
  ‫ولا يرفع بالبراهين الطبيعية‬    ‫للأحكام السلطانية هو كتاب‬      ‫البصرى‬
  ‫حجا ًبا‪ ،‬إنما هو نقل وتركيب‬                                                  ‫حكاية عن نبيه موسى‪:‬‬
                                      ‫“سراج الملوك” لـ”أبي‬                 ‫“واجعل لي وزي ًرا من أهلي‪،‬‬
   ‫شبيه بالمواعظ‪ ،‬وكأنه حوم‬       ‫بكر الطرطوشي” (‪-1059‬‬                    ‫هارون أخي‪ ،‬أشدد به أزري‪،‬‬
    ‫على الغرض ولم يصادفه‪،‬‬       ‫‪1026‬م) الذي ولد في الأندلس‬                ‫وأشركه في أمري”‪ ،‬فإذا جاز‬
 ‫ولا تحقق قصده ولا استوفى‬         ‫وأقام في الإسكندرية خلال‬                ‫ذيك في النبوة كان في الإمامة‬
                                    ‫حكم الدولة الفاطمية إبان‬                 ‫أجوز”! وبالطبع ُيلحظ أن‬
                  ‫مسائله”‪.‬‬                                                 ‫القراءة النصية للوزارة عند‬
‫وكما يقول ابن خلدون استهلك‬          ‫حكم الوزير الأفضل “بن‬
‫الفكر السياسي العربي تاريخه‬     ‫بدر الجمالي”‪ ،‬ويقول عنه ابن‬                  ‫الماوردي تجاوزت نصية‬
                               ‫خلدون‪“ :‬وكذلك حوم القاضي‬                  ‫الحديث‪ ،‬حيث لم ينص حديث‬
    ‫منذ بدايته إلى قرب نهايته‬   ‫أبي بكر الطرطوشي في كتاب‬
     ‫في “نقل وتركيب” نصي‬                                                   ‫منسوب للنبي على الوزارة‪،‬‬
 ‫استهلاكي لا علاقة له بالفكر‬       ‫“سراج الملوك” وبوبه على‬                ‫وتجاوزت كذلك نصية تاريخ‬
    ‫السياسي على نحو حقيقي‬        ‫أبواب تقرب من أبواب كتابنا‬             ‫الخلفاء الأول في صدر الإسلام‬
                                ‫هذا ومسائله‪ ،‬لكنه لم يصادف‬              ‫لأن متطلبات حكمهم لم تستدع‬
       ‫مصادر‪:‬‬                   ‫فيه الرمية ولا أصاب الشاكلة‬             ‫تعيين وزراء‪ ،‬إلى اقتباس نصي‬
                               ‫ولا استوفى المسائل ولا أوضح‬               ‫من القرآن في لون من التقنين‬
  ‫‪ -1‬عبد الرحمن ابن خلدون‪،‬‬     ‫الأدلة‪ ،‬إنما يبوب الباب للمسألة‬            ‫الزائف لـ”نص الواقع” الذي‬
     ‫المقدمة‪ ،‬تحقيق د‪.‬علي عبد‬
    ‫الواحد وافي‪ ،‬مؤسسة دار‬          ‫ثم يستكثر من الأحاديث‬                    ‫سبق تقنينه بالفعل بحكم‬
                   ‫الشعب‪.‬‬        ‫والآثار وينقل كلمات متفرقة‬                 ‫تقلبات السياسة واختلاف‬
                                ‫لحكماء الفرس مثل بزرجمهر‬
‫‪ -2‬محمد عابد الجابري‪ ،‬العقل‬                                                     ‫الدول وتوالي الأحداث‬
   ‫السياسي العربي‪ :‬محدداته‬            ‫والموبذان وحكماء الهند‬              ‫المستجدة‪ .‬ليست الحكمة عند‬
     ‫وتجلياته‪ ،‬مركز دراسات‬       ‫والمأثور عند دانيال وهرمس‬                ‫هذا اللون من الفقه السياسي‬
             ‫الوحدة العربية‪.‬‬
  ‫‪ -3‬أبو الجسن الماوردي‪،‬‬                                                     ‫الذي يمثله كتاب الأحكام‬
                                                                            ‫السلطانية استيعاب الواقع‬
‫الأحكام السلطانية‪ ،‬تحقيق‬                                                    ‫السياسي وقوانين حركته‪،‬‬
‫أحمد جاد‪ ،‬دار الحديث‪.‬‬                                                        ‫وإنما تتمثل في البحث عن‬
                                                                        ‫الأدلة النصية الفقهية التي تؤيد‬
   ‫(‪ )4‬أبي محمد عبد‬                                                     ‫هذا الواقع المستجد بالكلية‪ ،‬ولو‬
    ‫الله بن مسلم ابن‬                                                    ‫لم توجد هذه الأدلة النصية على‬
                                                                        ‫وجه الحقيقة يمكن إيجادها على‬
  ‫قتيبة‪ ،‬كتاب الإمامة‬                                                   ‫وجه الأجوز والمجاز والتجويز‪.‬‬
     ‫والسياسة‪ ،‬طبعة‬                                                      ‫وهو لب ما قدم له ابن خلدون‬
                                                                            ‫نق ًدا مري ًرا في مقدمته التي‬
  ‫محمود توفيق الكتبي‬                                                     ‫كتبها قرب أفول العقل العربي‬
             ‫سنة ‪1909‬‬                                                      ‫ودخوله في الجمود الفكري‬
                                                                          ‫والسياسي والاجتماعي‪ .‬دار‬
   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209