Page 203 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 203

‫‪201‬‬

                  ‫وعليهم”!‬            ‫بني “بويه”‪ ،‬والسلاطين‬         ‫حيث أتى يتبختر ويجر ذيله‬
        ‫وفي فصل “بيان حكم‬         ‫السلاجقة الذين كانوا الحكام‬     ‫داخ ًل بنعليه وبقوله لما عرضت‬
  ‫الخلافة”‪ ،‬أي التقنين الفقهي‬    ‫الحقيقيين وراء واجهة الخلافة‬
    ‫للحكم على الأساس النصي‬       ‫العباسية الشكلية‪ .‬يعكس كتاب‬         ‫عليه الخلافة‪“ :‬من أحق بها‬
      ‫الديني والتاريخي‪ ،‬يثبت‬      ‫الماوردي المعروف بـ”الأحكام‬       ‫مني”! ورغم أنه يفترض أن‬
  ‫الماوردي وجوب الخلافة على‬                                          ‫أحداث غرفة نوم الرشيد لم‬
   ‫نحو “فرض الكفاية”‪“ :‬فإذا‬           ‫السلطانية” الأيديولوجية‬         ‫يشهدها غير أبطالها إلا أن‬
 ‫قام بها من هو من أهلها سقط‬           ‫المقننة للفقه السياسي في‬        ‫حديث ابن قتيبه عن “غدر‬
    ‫فرضها على الكفاية وإن لم‬       ‫مقابل الرواية الحديثية الخام‬   ‫المأمون بأخيه الأمين” ثم هرب‬
  ‫يقم بها أحد خرج من الناس‬          ‫كما تبدو في كتاب “الإمامة‬       ‫الأخير وقتله‪ ،‬لا يشير بكلمة‬
  ‫فريقان‪ :‬أحدهما أهل الاختيار‬                                        ‫واحدة إلى خلفيات الصراع‬
    ‫حتى يختاروا إما ًما للأمة‪.‬‬                   ‫والسياسة”‪.‬‬         ‫السياسي المشهور والمشهود‬
    ‫والثاني‪ :‬أهل الإمامة حتى‬            ‫تدور مباحث الكتاب في‬          ‫لجمهرة الناس بين الفرس‬
‫ينتصب أحدهم للإمامة‪ .‬وليس‬           ‫عشرين با ًبا أولها‪“ :‬في عقد‬
    ‫على من عدا هذين الفريقين‬      ‫الإمامة”‪ ،‬يتلوها مباشرة باب‬          ‫(أخوال المأمون) والعرب‬
    ‫من الأمة في تأخير الإمامة‬         ‫“في تقليد الوزارة”‪ ،‬وهو‬      ‫(أخوال الأمين)! وهو الصراع‬
  ‫حرج ولا مأثم”! والظاهر أن‬        ‫باب مستحدث يناسب ظهور‬
  ‫الماوردي يقدم التنظير الديني‬        ‫الأمراء والسلاطين الذين‬         ‫الذي حسم مسار “الإمامة‬
    ‫للتحالف السياسي ما بين‬         ‫أمسكوا زمام الحكم من باب‬              ‫والسياسة” في التاريخ‬
   ‫طبقة الفقهاء (أهل الاختيار)‬     ‫الوزارة في المرحلة الثانية من‬           ‫الإسلامي فيما بعد‪.‬‬
‫وطبقة الأئمة (أهل الحكم)‪ .‬لكن‬         ‫الدولة العباسية‪ .‬في الباب‬
  ‫كفة الفريقين ليست متوازنة‬        ‫الأول تحل الروايات النصية‬         ‫الأحكام السلطانية‬
    ‫بالطبع‪ ،‬لأن الماوردي يعود‬      ‫الحديثية التي تناسب الوضع‬
   ‫في فصل لاحق بعنوان‪“ :‬بم‬         ‫السياسي المستجد‪ ،‬والتي لم‬        ‫“علي بن محمد بن حبيب أبو‬
‫تنعقد الإمامة”‪ ،‬وفصل بعنوان‪:‬‬        ‫تكن قد ظهرت بعد في كتاب‬          ‫الحسن البصري” المعروف‬
    ‫“هل تنعقد الخلافة بولاية‬         ‫ابن قتيبة‪ ،‬منها ما يمهد له‬
  ‫العهد؟”‪ ،‬إلى القول إنها تنعقد‬      ‫الماوردي بالقول‪“ :‬ففرض‬            ‫بالإمام الماوردي (‪-975‬‬
   ‫من وجهين‪ :‬أحدهما اختيار‬       ‫علينا طاعة ولي الأمر فينا وهم‬    ‫‪1058‬م) مح ّدث وفقيه شافعي‬
‫أهل الحل والعقد‪ ،‬والآخر بعهد‬      ‫الأئمة المأتمرون علينا‪ .‬وروى‬     ‫نال حظوة كبيرة عند الخليفة‬
 ‫الإمام من قبل‪ .‬وهو يستند في‬     ‫هشام بن عروة عن‬
‫كلا الخيارين بالطبع إلى الرواية‬  ‫أبي صالح عن أبي‬                     ‫المقتدر العباسي وعند أمراء‬
 ‫الحديثية التي تدور حول عهد‬        ‫هريرة أن رسول‬
                                  ‫الله قال‪“ :‬سيليكم‬
              ‫الخلافة الأول‪.‬‬      ‫بعدي ولاة فيليكم‬
   ‫أما باب “في تقليد الوزارة”‬     ‫البر ببره‪ ،‬ويليكم‬
‫فيقسمها الماوردي إلى ضربين‪:‬‬          ‫الفاجر بفجره‪،‬‬
  ‫وزارة تفويض ووزارة تنفيذ‬            ‫فاسمعوا لهم‬
    ‫(حكمها أضعف وشروطها‬           ‫وأطيعوا في كل ما‬
                                   ‫وافق الحق‪ ،‬فإن‬
      ‫أقل) ويقول‪“ :‬أما وزارة‬     ‫أحسنوا فلكم ولهم‪،‬‬
    ‫التفويض فهو أن يستوزر‬         ‫وإن أساؤوا فلكم‬
   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208