Page 201 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 201

‫الملف الثقـافي ‪1 9 9‬‬

‫استخلاف رسول الله لأبي بكر‬          ‫“استخلاف رسول الله أبا‬                        ‫بن قتيبة الدينوري”‬
  ‫أسا ًسا للاستدراك السياسي‬       ‫بكر رضي الله عنه” رغم أن‬                       ‫(‪889 -828‬م) فقيه‬
 ‫النصي على عهد النبي بعهدي‬      ‫المعروف أن النبي لم يستخلف‪،‬‬                    ‫ونحوي ومؤرخ عاصر‬
   ‫أبي بكر وعمر‪ ،‬وإلحاق عهد‬       ‫وهو ما كان مثار نقاش ممتد‬                      ‫حكم الدولة العباسية‬
  ‫الشيخين في الحكم السياسي‬         ‫خلال صدر الإسلام وحتى‬                          ‫الأول‪ ،‬وتبوأ منصب‬
 ‫بعهد النبوة‪ ،‬وذلك بالطبع قبل‬     ‫اليوم‪ ،‬وهو ما يؤكده الفصل‬
 ‫انفجار الخلاف السياسي بين‬                                                          ‫القضاء أيام حكم‬
 ‫المسلمين على عهد صهر النبي‬            ‫التالي في كتاب “الإمامة‬                   ‫الخليفة المتوكل‪ ،‬الذي‬
   ‫عثمان بن عفان‪ ،‬واستمراره‬            ‫والسياسة” ذاته والذي‬                       ‫قاد انقلاب المحدثين‬
  ‫خلال عهد علي بن أبي طالب‪،‬‬          ‫جعل ابن قتيبه من‪“ :‬ذكر‬                       ‫والفكر الديني النقلي‬
 ‫ثم خلال البيعة القصيرة لابنه‬      ‫السقيفة وما جرى فيها من‬                      ‫ضد الهيمنة السياسية‬
 ‫الحسن‪ ،‬ثم استمراره كذلك ما‬        ‫القول” عنوا ًنا له‪ ،‬وما جرى‬  ‫للاتجاه العقلي في الإسلام‪ ،‬كما ابن‬
 ‫بعد استتاب الحكم لمعاوية بن‬        ‫في السقيفة من نزاع حول‬      ‫تمثل في سيادة الفكر الاعتزالي‪ ،‬قتيبة‬
                                 ‫منصب الخلافة بين المهاجرين‬              ‫بد ًءا من حكم الخليفة العباسي‬
‫أبي سفيان‪ ،‬وخلال عهد خلفائه‬       ‫(من حضر منهم) فيما بينهم‬               ‫المأمون ثم الخليفة المعتصم ثم‬
 ‫وخلفاء خلفائه ربما إلى اليوم!‬     ‫وممثلي الأنصار فيما بينهم‪،‬‬
                                  ‫لم يذكر فيه كلمة واحدة عن‬                           ‫الخليفة الواثق‪.‬‬
          ‫عماد كتاب “الإمامة‬       ‫استخلاف النبي لأحد‪ ،‬رغم‬                  ‫يبدأ ابن قتيبة كتابه بعنوان‬
     ‫والسياسة” لـ”ابن قتيبة‬       ‫حضور أبي بكر نفسه ومعه‬                 ‫“الإمامة والسياسة”(‪ )4‬بفصل‬
   ‫الدينوري” الذي يفصح عن‬         ‫نخبة صحابة النبي‪ ،‬باستثناء‬
 ‫نفسه منذ السطور الأولى‪ ،‬ولا‬    ‫أقربائه من بني هاشم‪ ،‬وهو ما‬                   ‫في “فضل أبي بكر وعمر‬
  ‫يكاد عنوانه يعكس مضمونه‬       ‫سبب بدوره خلا ًفا يجمله كتاب‬            ‫رضي الله تعالى عنهما”‪ ،‬يصف‬
      ‫بشكل أمين‪ ،‬ليس تاريخ‬      ‫“الإمامة والسياسة” في فصول‬
  ‫الخلافة السياسي بد ًءا بموت‬     ‫لاحقة بعناوين‪“ :‬تخلف سعد‬                 ‫فيه الشيخين بلسان الرواية‬
  ‫النبي وخلال صدر الإسلام‪،‬‬         ‫بن عبادة رضي الله عنه عن‬               ‫نق ًل عن النبي بأنهما‪“ :‬سيدا‬
    ‫وإنما مداره تاريخ الرواية‬   ‫بيعة أبي بكر” و”إباية علي كرم‬              ‫كهول أهل الجنة من الأولين‬
‫الحديثية لهذا العهد‪ ،‬أي ترسيخ‬    ‫الله وجهه بيعة أبي بكر رضي‬             ‫والآخرين إلا النبيين والمرسلين‬
      ‫نصي أيديولوجي لرؤية‬        ‫الله عنه”!! لكن الظاهر أن ابن‬
‫ومرويات المحدثين وأهل السنة‬         ‫قتيبة كان يضع بالفصول‬                   ‫عليهم السلام”‪ .‬وفي رواية‬
 ‫لزمن صدر الإسلام وما تلاه‪.‬‬           ‫الأولى من كتابه وبفكرة‬             ‫أخرى يقول عنهما النبي‪“ :‬لقد‬
    ‫من ثم يخلو الكتاب من أي‬
   ‫تأمل سياسي نظري أو نقد‬                                                    ‫هممت بأن أبعث إلى الأمم‬
   ‫عملي أو فحص دقيق لرواية‬                                                  ‫رجا ًل يدعونهم إلى الإسلام‬
   ‫التاريخ السياسي للمسلمين‬                                                 ‫ويرغبونهم في الدين فأبعث‬
‫حتى نهاية عهد الخليفة هارون‬                                               ‫أبي بن كعب وسالم مولى أبي‬
‫الرشيد (‪809 -763‬م)‪ .‬ولأننا‬                                               ‫حذيفة ومعاذ بن جبل كما فعل‬
    ‫بصدد مدونة رواية نصية‬                                                ‫عيسى بن مريم عليهما السلام‬
     ‫حديثية لا مدونة تاريخية‬                                             ‫(!!)‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله أفلا‬
  ‫سياسية اختار ابن قتيبة هذا‬                                             ‫تبعث أبا بكر وعمر رضي الله‬
   ‫الختام الزمني لمدونته الذي‬                                               ‫عنهما؟ فقال صلى الله عليه‬
     ‫ينتهي قبل مولده بحوالي‬                                                  ‫وسلم‪ :‬هما لا بد لي منهما‬
                                                                           ‫(!!) هما مني بمنزلة السمع‬

                                                                                          ‫والبصر”‪.‬‬
                                                                            ‫يعقب ابن قتيبة هذا الفصل‬

                                                                                  ‫بفصل آخر بعنوان‪:‬‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206