Page 196 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 196

‫كان البعض يحاول العمل بالفلسفة‬                                  ‫الفقه والفلسفة‪ ،‬ويعلق جولد‬
    ‫ولكن بتقية مجتمعية‪ ،‬وحسبما عبر‬                                 ‫تسهير قائ ًل‪« :‬وليست فتوى‬
                                                                 ‫ابن الصلاح هذه إلا تعبي ًرا عن‬
      ‫«جولد تسهير» أنه من السهل أن‬                               ‫الرأي السائد في مناطق واسعة‬
   ‫نفهم كيف أن الكثيرين ممن كانوا‬                                 ‫من العالم الإسلامي إبان ذلك‬
    ‫يحرصون على حسن السمعة‪ ،‬كانوا‬
‫يسبلون قنا ًعا على دراساتهم الفلسفية‬                                 ‫العصر‪ ..‬ومن ثم أصبحت‬
   ‫مظهرين اشتغالهم بها تحت ستار‬                                        ‫هذه الفتوى وثيقة يعتمد‬
                                                                  ‫عليها خصومهم وبها يهيبون‬
        ‫علم من العلوم الحسنة السمعة‬
                                                                            ‫ويستشهدون»(‪.)16‬‬
‫ترسيخ الرؤية الذهنية للاتهام‬      ‫القاهرة مستخفيًا‪ ،‬ثم استوطن‬          ‫وفي سياق آخر فقد كان‬
                  ‫بالفلسفة‪.‬‬                         ‫حماة(‪.)19‬‬     ‫نفوذ الفقهاء عام ًل في تحريك‬
                                                                 ‫الأمور ضد الفلاسفة‪ ،‬فمواقف‬
       ‫إشكالية علاقة المجتمع‬       ‫على أية حال وفي إطار علاقة‬     ‫شخصية ضد الفلاسفة كانت‬
                  ‫بالفلسفة‪:‬‬           ‫الفقه بالفلسفة فقد تعامل‬       ‫كفيلة بقلب الأمور مثل ما‬
                                                                 ‫حدث مع أحد الفلاسفة ويدعى‬
‫أدي الموقف الهامشي للفلاسفة‬        ‫البعض منهم مع الفلسفة على‬        ‫«سيف الدين الآمدي»‪ ،‬وهو‬
  ‫إلى جعل مركزهم غير مريح‬             ‫أنها ذنب يستوجب التوبة‬        ‫حسبما عبرت النصوص قد‬
   ‫اضطرهم في بعض الأحيان‬            ‫قبل الموت‪ ،‬فقد كان ما يثير‬     ‫اشتغل بفنون المعقول وحفظ‬
       ‫إلى اللجوء للسرية»(‪،)21‬‬                                    ‫منه الكثير وتمهر فيه وحصل‬
                                   ‫الغبطة ويبعث على الرضا أن‬        ‫منه شيئًا كثي ًرا ولم يكن في‬
‫وحسبما عبر جوستاف لوبون‬          ‫يقال إن واح ًدا من الفلاسفة قد‬    ‫زمانه أحفظ منه لهذه العلوم‪،‬‬
     ‫«أن الجماهير كانت تمقت‬       ‫رجع ساعة موته من ضلالات‬          ‫واشتهر فضله واشتغل عليه‬
                                                                  ‫الناس وانتفعوا به‪ ،‬ثم يتحدث‬
‫الفلاسفة»(‪ ،)22‬حتى أن الخلفاء‬          ‫الفلسفة وأكاذيبها مثل «‬    ‫النص قائ ًل‪ :‬ثم حسده جماعة‬
    ‫كانوا يروون أن «يدرأو ما‬         ‫الحسين بن محمد بن نجاة‬      ‫من فقهاء البلاد وتعصبوا عليه‬
                                 ‫الأربلي»‪ ،‬فيرددون أن آخر كلمة‬       ‫ونسبوا إليه فساد العقيدة‬
 ‫ينشأ عن مذاهب الفلاسفة من‬         ‫قالها ساعة الموت «صدق الله‬        ‫وانحلال الطوية والتعطيل‬
‫الفتن الشعبية»(‪ .)23‬ولعل إحدى‬      ‫العظيم وكذب ابن سينا»(‪.)20‬‬      ‫ومذاهب الفلاسفة والحكماء‪،‬‬
                                    ‫بهذه الصورة السابقة كانت‬       ‫وكتبوا محض ًرا يتضمن ذلك‬
    ‫النصوص تشي لنا برؤية‬            ‫رؤية الفقهاء للفلسفة والتي‬       ‫ووضعوا فيه خطوطهم لما‬
    ‫المجتمع للكتابات الفلسفية‬      ‫رجحت ما ذهبنا إليه في بداية‬     ‫يستباح به الدم»(‪ .)17‬وحسب‬
   ‫حين ذكرت أنه من الأشياء‬          ‫عرضنا من انفصال العلاقة‬      ‫روايات أخرى أنه قد أخذ علوم‬
‫التي يجب أن ُتخفي بعناية عن‬          ‫بين الطرفين‪ ،‬وبأن الفقهاء‬     ‫الأوائل من نصارى الكرخ(‪)18‬‬
‫عيون الناس إلى جانب الشراب‬           ‫استطاعوا بعلو كعبهم على‬           ‫ويهودها‪ ،‬فات ُّهم لذلك في‬
     ‫المكروه الكتاب المتهم(‪.)24‬‬                                  ‫عقيدته‪ ،‬ففر إلى مصر خو ًفا من‬
     ‫وفي السياق ذاته فقد كان‬           ‫الفلاسفة أن يساهموا في‬    ‫الفقهاء‪ ،‬سنة (‪592‬ه‪1195 /‬م)‬
                                                                    ‫وناظر بها وحاضر‪ ،‬وأظهر‬
                                                                     ‫تصانيف في علوم الأوائل‪،‬‬
                                                                    ‫ثم تعصبوا عليه‪ ،‬فخرج من‬
   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201