Page 191 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 191

‫ابن طفيل‬    ‫بالوحي‪ .‬فلهم أجران فيما‬
                                                                          ‫أصابوا فيه ولهم أجر فيما‬
‫الاشتباك‬                                          ‫للأسباب‬
    ‫في هذا‬                                           ‫العامة‬                   ‫اجتهدوا فيه وأخطأوا‪.‬‬
                                                                               ‫أما إذا ادعى أح ٌد بأن‬
‫القول فإننا سنجد‬                                  ‫التي أدت‬                 ‫الغزالي لم يقصد بالتكفير‬
‫ثغرة التناقض اللفظى متاحة‬                ‫إلى وجودها‪ ..‬ولكن‬                   ‫فلاسفة اليونان بقدر ما‬
                                     ‫هذا القول يخالف جملة‬                  ‫كان يقصد تكفير فلاسفة‬
   ‫ج ًّدا لفض الاشتباك؛ حيث‬          ‫وتفصي ًل ما ذهبت إليه‬                   ‫الإسلام السابقين عليه‪:‬‬
‫يمكننا القول بأنه إذا علم الله‬   ‫الأديان والشرائع السماوية‬                    ‫الكندي والفارابي وابن‬
‫الكليات لزم ضرورة أنه يعلم‬      ‫بأن الله بكل شيء عليم‪ ،‬وأنه‬              ‫سينا‪ ،‬فهذا قول مردود عليه‬
                                 ‫سبحانه لا تعزب عنه مثقال‬                  ‫أي ًضا؛ فالكندي الفيلسوف‬
  ‫الجزئيات؛ لأن الجزئيات لا‬       ‫ذرة لا في السموات ولا في‬                    ‫قال بالحدوث صراح ًة‪،‬‬
  ‫قوام لها بنفسها‪ .‬فمن يعلم‬                                                ‫ورفض القول بقدم العالم‪،‬‬
                                                   ‫الأرض‪.‬‬                     ‫أما الفارابي وابن سينا‬
     ‫الكليات يعلم بالضرورة‬          ‫ولكن ما الدافع وراء هذا‬                ‫فقد التبست عليهم الرؤية‬
  ‫الجزئيات‪ ..‬كما يمكننا بيان‬     ‫القول؟ أو لماذا أصر فلاسفة‬               ‫الصحيحة نظ ًرا لما كانوا قد‬
                                ‫اليونان على هذا القول؟ فكما‬                  ‫عرفوه من آراء أفلوطين‬
   ‫أن أسبقية العلم الإلهي لا‬      ‫يقال إذا ُعرف السبب بطل‬                ‫صاحب الأفلاطونية المحدثة‬
 ‫تعني الجبر وضياع الحرية‬           ‫العجب‪ ،‬والسبب يكمن في‬                      ‫في أن الأقنوم الأول لا‬
                                   ‫أن فلاسفة اليونان أرادوا‬              ‫يمكن أن تكون له أية علاقة‬
    ‫الشخصية‪ ،‬ومن ثم كان‬          ‫أن يفسحوا مساحة للحرية‬                  ‫بالمادة‪ .‬ولذلك فإن الاختلاط‬
   ‫بالإمكان أن يحدث تزواج‬         ‫الإنسانية‪ ،‬فتصوروا لو أن‬                ‫بالعالم أو المادة المحسوسة‬
  ‫بين وجهة النظر الإسلامية‬        ‫الله يعلم الجزئيات لانتفت‬                 ‫المتكثرة المتنوعة يبدأ فقط‬
‫مع ما قال به فلاسفة اليونان‬                                               ‫من العقل أو الأقنوم الثاني‬
‫–لو سلمت النوايا‪ -‬مع تقدير‬           ‫تما ًما الحرية الإنسانية‬                ‫ومن ثم كان كلامهم في‬
  ‫ما وصلوا إليه باجتهاداتهم‬      ‫الشخصية‪ ،‬فدعوا إلى القول‬                ‫نظرية الفيض‪ .‬ومن ثم كان‬
                                  ‫بأن الله يعلم الكليات دون‬                ‫بإمكان الغزالي أن يلتمس‬
     ‫العقلية المحضة‪ ،‬ومع ما‬     ‫الجزئيات ظنًّا منهم بأنهم في‬             ‫لهم العذر فيما اجتهدوا فيه‬
  ‫توصلنا نحن إليه بالوحي‪..‬‬         ‫ذلك يحافظون على الحرية‬                 ‫ولم يحالفهم التوفيق لا أن‬
 ‫وليس هذا غريبًا‪ ،‬فقد رفض‬
   ‫ابن رشد الكثير من الآراء‬                     ‫الشخصية‪.‬‬                                   ‫يكفرهم‪.‬‬
‫التي قال بها فلاسفة اليونان‬         ‫ولكننا لو أردنا أن نفض‬                 ‫‪ -2‬علم الله للكليات دون‬
  ‫وتعارضت مع وجهة النظر‬
                                                                                        ‫الجزئيات‪:‬‬
      ‫الإسلامية‪ .‬ولكن تعنت‬                                               ‫جاءت هذه القضية أي ًضا من‬

                                                                           ‫عند فلاسفة اليونان الذين‬
                                                                          ‫رأوا أن الله سبحانه وتعالى‬

                                                                              ‫يعلم الكليات‪ ،‬ولا يعلم‬
                                                                          ‫الجزئيات بما هي جزئيات‪،‬‬

                                                                            ‫وإذا علم الجزئيات فذلك‬
                                                                          ‫عن طريق علمه للكليات أي‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196