Page 194 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 194

‫العـدد ‪١٩‬‬                                ‫‪192‬‬

                                  ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                            ‫وأُحرقت في بعض الفترات‬
                                                                      ‫مؤلفاتهم(‪ ،)7‬وظلت طائفة من‬
          ‫على النحو التالي(‪:)15‬‬    ‫أحد عليها وهو خلو من علوم‬        ‫المتشددين تنظر دائ ًما في شيء‬
  ‫مسألة‪ :‬فيمن يشتغل بالمنطق‬          ‫الملة‪ ،‬فقل أن يسلم لذلك من‬      ‫من الشك وعدم الاطمئنان إلى‬
  ‫والفلسفة تعلي ًما وتعل ًما وهل‬
                                  ‫معاطبها(‪ ،)12‬في خطاب متماهي‬                          ‫هؤلاء(‪.)8‬‬
    ‫المنطق جملة وتفصي ًل مما‬       ‫مع الفقه ضد الفكر الفلسفي‪.‬‬          ‫لقد كان التحذير من الفقهاء‬
  ‫أباح الشارع تعليمه وتعلمه؟‬        ‫وفي هذا السياق ينقل لنا ابن‬        ‫حاض ًرا دائ ًما ضد الاشتغال‬
   ‫والصحابة التابعون والأئمة‬        ‫الجوزي أن أبو حنيفة قال لما‬        ‫بهذه العلوم‪ ،‬وقد تكون هذه‬
‫المجتهدون والسلف الصالحون‬            ‫أردت أن أطلب جعلت أتخير‬         ‫التحذيرات لها حضورها‪ ،‬فلم‬
‫ذكروا ذلك‪ ،‬أو أباحوا الاشتغال‬                                       ‫تكن للفلاسفة قاعدة جماهيرية‬
 ‫به‪ ،‬أو سوغوا الاشتغال به أم‬         ‫العلوم وأسأل عن عواقبها‪،‬‬           ‫مثل القاعدة التي حظي بها‬
  ‫لا؟ (وهل) يجوز أن يستعمل‬         ‫وأخذ يستعرض مزايا وعيوب‬          ‫الفقهاء(‪ ،)9‬ففي كل انحراف عن‬
                                  ‫كل علم‪ ،‬وعندما جاء حديثه عن‬         ‫طريق رجال الدين كان القوم‬
    ‫في إثبات الأحكام الشرعية‬      ‫الكلام قال‪« :‬لا يسلم من نظره‬         ‫يعزون السبب فيه إلى علوم‬
  ‫الاصطلاحات المنطقية أم لا؟‬       ‫في الكلام من مشنعات الكلام‬       ‫الأوائل(‪ ،)10‬وأن المسلم الصالح‬
 ‫وهل الأحكام الشرعية مفتقرة‬                                         ‫عليه أن يتجنب هذه العلوم أشد‬
  ‫إلى ذلك في إثباتها أم لا؟ وما‬       ‫فيرمي بالزندقة‪ ،‬فإما أنك‬         ‫التجنب باعتبارها خط ًرا على‬
 ‫الواجب على من تلبس بتعليمه‬       ‫تؤخذ فتقتل وإما تسلم فتكون‬        ‫الدين‪ ،‬ومن ثم لذ للناس القول‬
   ‫وتعلمه متظاه ًرا به‪ ،‬ما الذي‬                                     ‫بأن النبي إنما عني هذه العلوم‬
    ‫يجب على سلطان الوقت في‬                  ‫مذمو ًما ملو ًما»(‪.)13‬‬     ‫حين سأل ربه أن ُيعيذه من‬
                                  ‫على أية حال فقد كانت فتاوي‬        ‫«علم لا ينفع»‪ ،‬عندما قال أعوذ‬
     ‫أمره؟ وإذا وجد في بعض‬        ‫التكفير موجهة بشدة للفلسفة‪،‬‬       ‫بالله من دعاء لا يسمع وقلب لا‬
‫البلاد شخص من أهل الفلسفة‬          ‫وأول من قام بهذا التكفير هو‬       ‫يخشع وعلم لا ينفع»(‪ ،)11‬حتى‬
                                                                     ‫أن أكثر الكتابات اعتدا ًل تحذر‬
     ‫معرو ًفا بتعليمها وإقرائها‬      ‫الإمام أبو حامد الغزالي(‪،)14‬‬     ‫من نفس القصة‪ ،‬فها هو ابن‬
‫والتصنيف فيها وهو مدرس في‬          ‫أما الفتوي الأهم التي توضح‬        ‫خلدون يقول‪« :‬ومع اضطلاع‬
 ‫مدرسة من مدارس العلم فهل‬           ‫لنا تاريخية العلاقة بين الفقه‬
                                                                                 ‫على مذاهب أهل‬
   ‫يجب على سلطان تلك البلاد‬            ‫والفلسفة فهي فتوي ابن‬                     ‫العلم ومضارها‬
    ‫عزله وكفاية الناس شره؟‬         ‫الصلاح (‪643‬هـ ‪1245 /‬م)‪.‬‬                        ‫ما علمت فليكن‬
     ‫أجاب‪« :‬إن الفلسفة رأس‬
                                       ‫فعندما ُسئل عمن يشتغل‬                         ‫الناظر فيها‬
                                   ‫بالمنطق والفلسفة كانت فتواه‬                     ‫متحر ًزا جهده‬
                                                                                    ‫من معاطبها‪،‬‬

                                                                                     ‫وليكن نظر‬
                                                                                   ‫من ينظر فيها‬
                                                                                    ‫بعد الامتلاء‬
                                                                                   ‫من الشرعيات‬
                                                                                   ‫والاطلاع على‬
                                                                                 ‫التفسير والفقه‪،‬‬

                                                                                       ‫ولا يكبن‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199