Page 197 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 197

‫‪195‬‬         ‫الملف الثقـافي‬

‫جولد تسهير‬  ‫أبو معشر جعفر بن محمد البلخى‬  ‫جوستاف لوبون‬               ‫البعض يحاول العمل بالفلسفة‬
                                                                     ‫ولكن بتقية مجتمعية‪ ،‬وحسبما‬
‫مخالطة الفلاسفة لئلا يثبت في‬       ‫العام في مقاومتهم للفلسفة‬
‫قلوبهم شيء من أفكارهم(‪.)29‬‬       ‫اليونانية ورجالها هو وسيلة‬             ‫عبر «جولد تسهير» أنه من‬
  ‫بهذه الصورة كان التخاصم‬        ‫فعالة مكنتهم من إيجاد رقابة‬              ‫السهل أن نفهم كيف أن‬
‫الشديد بين المجتمع الإسلامي‬     ‫شعبية داخلية كان العلماء من‬
                                ‫ورائها‪ ،‬ولكن استخدام العلماء‬         ‫الكثيرين ممن كانوا يحرصون‬
    ‫والفلسفة الكلاسيكية‪ ،‬لذا‬    ‫للعوام كان أم ًرا محفو ًفا دائ ًما‬        ‫على حسن السمعة‪ ،‬كانوا‬
‫اتجهت جهود الفلاسفة لإيجاد‬
                                               ‫بالمخاطر(‪.)27‬‬          ‫يسبلون قنا ًعا على دراساتهم‬
     ‫نمط جديد من التفلسف‬         ‫وفي الحقيقة فإن لدينا نماذج‬           ‫الفلسفية مظهرين اشتغالهم‬
‫كشكل توافقي عرف بالفلسفة‬         ‫أخرى على استدراج العامة في‬          ‫بها تحت ستار علم من العلوم‬
‫الإسلامية‪ ،‬حاول التوفيق بين‬       ‫الصراع ضد الفلسفة‪ ،‬فنجد‬
‫الفلسفة والدين‪ ،‬متج ًها لفكرة‬  ‫مث ًل أن أحد الفقهاء ويدعى «أبو‬           ‫الحسنة السمعة‪ ،‬وأوضح‬
                               ‫معشر جعفر بن محمد البلخي»‬               ‫مثال لهذا «محمد بن على بن‬
   ‫الدفاع عن العقائد‪ ،‬مميزين‬                                         ‫الطيب» المتوفي سنة (‪436‬هـ‪/‬‬
  ‫بينها وبين الفلسفة المحضة‬          ‫(‪272‬هـ‪885 /‬م) ولأنه‬            ‫‪1044‬م)‪ ،‬فيذكرون عنه أنه كان‬
  ‫التي عاشت في جيتو معرفي‬        ‫كان يكره الكندي كان يحشد‬             ‫إما ًما عالمًا بعلم كلام الأوائل‪،‬‬
 ‫وبؤس ثقافي وغربة ضربتها‬       ‫العوام ضده مشن ًعا عليه بعلوم‬           ‫إلا أنه خشي أهل زمانه فلم‬
‫عليها مخاوف السلطة وفتاوى‬      ‫الفلاسفة(‪ .)28‬وإمعا ًنا في حصار‬        ‫يشأ الظهور صراحة بمذهب‬
                                 ‫الفلسفة والمشتغلين بها داخل‬          ‫الفيلسوف‪ ،‬فأخرج في صورة‬
       ‫الفقهاء ونظرة المجتمع‬      ‫المجتمع فقد كان يتم تصدير‬           ‫المذاهب الكلامية التي لم تكن‬
                               ‫مقولات وتحذيرات للمجتمع من‬               ‫مع ذلك حائزة لرضى أهل‬
                                 ‫مصاحبة الفلاسفة‪ ،‬وأوجبت‬              ‫السنة في عصره هي الأخرى‪،‬‬
                                ‫على عناصره منع الصبيان من‬              ‫ولكن كانت على كل حال أقل‬
                                                                       ‫خط ًرا من الفلسفة الصريحة‬
                                                                    ‫لأنها على الأقل قد نمت في تربة‬

                                                                                   ‫إسلامية»(‪.)25‬‬
                                                                    ‫وفي نفس ذلك المنحي فقد يكون‬
                                                                     ‫مناسبًا أن نستدعي ما ذكرناه‬
                                                                     ‫ساب ًقا عن محاكمة «الركن عبد‬
                                                                    ‫السلام الجيلاني»‪ ،‬أن السلطات‬

                                                                        ‫قد كلفت من قرأ محتويات‬
                                                                          ‫مكتبته على العوام الذين‬

                                                                     ‫صاحوا باللعن لمجرد سماعهم‬
                                                                    ‫محتويات أسماء الكتب(‪ ،)26‬مما‬
                                                                    ‫يبرز لنا بجلاء الصورة الذهنية‬

                                                                        ‫للفلسفة عند العوام‪ ،‬فض ًل‬
                                                                      ‫عن استقطاب العوام من قبل‬
                                                                      ‫السلطة لتجييشهم دون وعي‬
                                                                       ‫منهم ضد الفلسفة‪ ،‬وحسبما‬
                                                                     ‫ذهب أحد الباحثين أن «لا شك‬
                                                                    ‫أن اعتماد أهل السنة على الرأي‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202