Page 190 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 190
أخذ ابن رشد يدافع عن الفلسفة ضد السلام (صلى الله عليه
مهاجميها من أمثال الإمام الغزالي وسلم)« :إذا اجتهد الحاكم
فأصاب فله أجران وإن أخطأ
وغيره ،وهو في ذلك لا يدافع عن فله أجر» .وأي حاكم أعظم
الفارابي أو ابن سينا بقدر ما يدافع من الذي يحكم على الوجود
عن نفسه؛ لأنه هو الذي تناول تلك وهم العلماء» )4(.ثم يختتم
النقاط الثلاث بالبحث فأثبتها وقال ابن رشد دفاعه بأبولوجيا
ظريفة للتوفيق بين الفلسفة
بها واشتهرت برأيه ،فدفاعه ضد والدين أشبه بصلاة الإكليل
الغزالي الذي انتهى برميه «بغاية
بين عروسين متنافرين،
الجهل» إنما هو دفاع عن مبادئه جمعت بينهما الضرورة
وفرقتهما الطباع والأمزجة
فإذا كان فلاسفة اليونان قد -1قدم العالم: والميول؛ فمثله كمثل قسيس
توصلوا بتصوراتهم العقلية ذهب فلاسفة اليونان وعلى حاذق يهمه قبل كل شيء
فقط وبدون وحي من السماء رأسهم أفلاطون وأرسطو الخروج من مأزق ،قال« :إن
الحكمة هي صاحبة الشريعة
إلى أن الله قد خلق العالم، بالقول بقدم العالم ،حيث والأخت الرضيعة ،فالأذية
فيجب أن ُن َق ِّدر لهم أصالة تصوروا وجود مادة قديمة ممن ينسب إليها أشد الأذية
قدراتهم العقلية ،وحصافة مع ما يقع بينهما من العداوة
عقولهم التي توصلت إلى أو ما أطلقوا عليه الهيولى والبغضاء والمشاجرة ،وهما
هذا الرأي الصائب .وخاصة الأولى ،وهي مادة غير المصطحبتان بالطبع المتحابان
أن فكرة الخلق من عدم هي بالجوهر والغريزة»)5(.
فكرة تستعصي على العقل محددة ولا معينة ،ولا يمكن
البشري ،ولا يستطيع العقل تصورها إلا في حالة شديدة رؤية جديدة للثادنفًيااع-
بمفرده تقبلها دون مساعدة من الغموض وعدم التحديد عن الفلسفة
الوحي .ولو كان فلاسفة أو اللاتعين المطلق ،وقد خلق ضد اتهامات الغ ازلي:
اليونان قد وصلوا إلى فكرة
الله تعالى العالم من هذه إذا كان الإمام أبو حامد
الخلق من العدم لما كان المادة القديمة ..فأخرج الكون الغزالي قد شن هجومه على
للوحي أي ضرورة ..ولذلك الفلاسفة وك ّفرهم في ثلاث
من اللاتعين واللاتحدد إلى مسائل وهي – كما تقدم-
يجب علينا أن نرفع لهم هذا العالم المعين والمحدد.. قدم العالم ،وقضية علم الله
القبعات احترا ًما وتقدي ًرا؛ فصار العالم قدي ًما وليس للكليات فقط دون الجزئيات،
لأنهم توصلوا إلى جزء محد ًثا. وقضية حشر الأجساد.
كبير من الحقيقة وهي فكرة إذن فقدم العالم عند فإن هذا الكلام مردود عليه
الفلاسفة يعني أن الله قد ببساطة شديدة وبدون تقعر
أن الله هو خالق العالم.. خلق العالم ،ولكنه لم يخلقه فلسفي قد يتوه القارئ معه،
ونعذرهم في حالة عدم من العدم ،ولكن خلقه من
وصولهم إلى الحقيقة الكاملة تلك المادة القديمة ،الموجودة ولا يخرج منه بشيء ذي
التي لم يعرفها الإنسان إلا مع الإله منذ القدم ،أو التي بال ،نفصله فيما يأتي:
لم تزل موجودة معه.