Page 185 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 185
183 الملف الثقـافي
من بعده وهما في صياغة بناء الفارابي بينهما ،فاذا انفردت العلوم
منظومة المجتمع الفاضل أن النظرية ،ثم لم يكن لمن
يضعا بين أيدينا مضادات وقد قام ابن باجة (ت533هـ)
المدينة الفاضلة ،وما يعانيه أي ًضا برصد معاناة الأفراد حصلت له قوة على استعمالها
مجتمعهما من فوضى من الاضطراب في مختلف في غيرها ،كانت فلسفة
وسياسات فاسدة. مكونات المجتمع السياسى
ناقصة .والفيلسوف الكامل
وهكذا أدت الأبعاد السياسية والاجتماعى ،وحاول أن يقدما على الإطلاق هو أن يحصل
والاجتماعية دورها في تشكيل نظرية في بناء المجتمع الفاضل له العلوم النظرية ،ويكون له
قوة على استعمالها فى كل ما
الوعى النقدى عند الفارابي من خلال توصيف المدينة سواها بالوجه الممكن فيه.
وابن باجة ،فانعكس هذا الفاضلة ،وتحديد مقومات وقد عرض الفارابي برامج
إيجابيا على تصوراتهما ،مما المجتمع ،وهذه الصفات تربوية في معرض حديثه
جعلهما يتخذان خطوات والمقومات كانت مستنبطة عن تنشئة المواطن والزعيم،
من ما كان يعانيه مجتمعهما، والتي انتهت به إلى أن يتخذ
بعيدة عن واقعهما؛ من الفلسفة عام ًل يوحد في
ليقيما نظا ًما فلسفيًّا إذ درسا الواقع ،وحاجة الصفة الأساسية بين سائر
محك ًما ،رغبا من خلاله هذا الواقع لمن ستناط إليه
إقامة ما هو ممكن ولو مسؤولية النهوض بالمجتمع ولاة الحكم)13(.
نظر ًّيا؛ لأن الفيلسوف واشترط الفارابي في رئيس
يتميز بحاسة النقد ليرتقيا به إلى هدفهما
الأساسي وهو حصول مدينته الفاضلة أن يكون
والتحليل. فيلسو ًفا ونبيًّا Kعلى اتصال
وإذا كنا نعتبر الفارابى واح ًدا السعادة.
ولم ين َس الفارابى وابن باجة بالعقل الفعال ،ويطلب من
من الفلاسفة الذين تكلفوا رئيسه أن يصعد نحو العالم
عناء التفكير والتفلسف الروحى ويندمج به؛ ليقود
في مسعى لوضع الأسس أهل مدينته نحو السعادة
والتصورات الكفيلة بتحقيق التى لا تستمر إلا باستمرار
السعادة للمجتمع ،فابن باجة الاتصال بالعقل الفعال .فقد
قدم تصورات تقترب من فكر
جمع الفارابي بين النبوة
الفارابى حينًا وتبتعد عنه والفلسفة في شخص رئيس
حينًا. مدينته ،بقصد الوفاق بين
لكن مأساة الفكر السياسي النبوة والفلسفة ،أو بين
الإسلامي كان دو ًما في الحكمة والشريعة)14(.
تركيزه على فكرة الحاكم والمحصلة أن الفلسفة
ودوره وصفاته وطاعته السياسية عند الفارابي
وغيرها من قضايا تبتعد –بح ٍّد تشكل جز ًءا ها ًّما وأصي ًل
غير قليل -عن فكرة الدولة من فلسفته العامة ،والتفكير
والمؤسسات والقوانين التي السياسي عند الفارابى بكل
تحكم المجتمعات مقوماته ومرتكزاته ،هو نظرة
أو فكر فلسفي ذات منظور
تربوي نقدي ،قبل أن يتداخل
مع الجانب الشرعي.