Page 182 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020

‫العـدد ‪١٩‬‬ ‫‪180‬‬

‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫بل أطلق للعقل طرق البحث‬ ‫وتعطى فرصة‬
‫والاجتهاد بعد الرجوع إلى‬
‫كافة ال ُّنصوص ذات الطابع‬ ‫للعقول المغلقة كى‬

‫ال ِّسياسي‪.‬‬ ‫تتحرر؛ ولذلك‬
‫لقد أدك بعض فلاسفة‬
‫المسلمين والمتكلمين‪ ،‬وعلى‬ ‫انشغل كثير من‬
‫أسهم الفارابي وابن باجة‬
‫والمعتزلة‪ ،‬أن دراسة ال ِّسياسة‬ ‫الفلاسفة بأحوال‬
‫القائمة وانتقادها هو خير‬
‫سبيل‪ ،‬لوضع أفكار سياسية‬ ‫الدول وأنظمة‬
‫جديدة‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫مراجعة ال ِفكر ال ِّسياسي‬ ‫الحكم‪ ،‬وسعوا لربط‬
‫السائد‪ ،‬وتحليله‪ ،‬فهذا أفضل‬
‫وسيلة تجعل الفرقتين على‬ ‫الفلسفة بالسياسة‪.‬‬
‫اتصال مباشر بال ِّسياسة‬
‫وبوضع نظريات مضادة‪،‬‬ ‫فتدبير شئون الدول‬
‫وهذه طريقة جادة لبلوغ‬
‫الحلول المناسبة لمشكلات‬ ‫مفهوم فلسفى عملى‬
‫المجتمع التّنظيمية على أساس‬
‫من التصورات والأفكار‬ ‫أصيل‪ ،‬مشحون‬

‫السائدة‪.‬‬ ‫بدلالات سياسية‪،‬‬
‫وهناك اتفاق حول واجبات‬
‫الحاكم عند فلاسفة المسلمين‪،‬‬ ‫أي أن كل فعل‬ ‫عبد القاهر الجرجاني‬ ‫الجاحظ‬

‫عندما يتسلم ال ُّسلطة من‬ ‫تعقل متجه إلى أفق‬
‫ال َّدولة‪ ،‬ويبدأ في أعمال‬
‫سياسى‪ ،‬فهو فعل‬
‫الحكم المختلفة‪ ،‬فلا بد له‬
‫من الاستعانة بسلطة العقل‬ ‫تدبير‪ ،‬ولا يمكن أن يكون‬ ‫النظم‪.‬‬
‫حتى يقوم بأعباء وظيفته على‬ ‫الحاكم ‪-‬في تصور أفلاطون‪-‬‬ ‫وقد عمل الفلاسفة والمفكرون‬

‫أفضل وجه ممكن‪.‬‬ ‫غير الفيلسوف‪ ،‬فالحكمة‬ ‫على رصد أحداث مجتمعهم‬
‫فقد ظلت النزعة العقلانية التي‬ ‫والسياسة يجتمعان في‬ ‫والخوض فى مشكلاته‪ ،‬وطرح‬
‫الإشكاليات ال ِّسياسية ووضع‬
‫هاجمها الكثيرون هي طريقة‬ ‫شخصه‪ ،‬وصاحب الفكرة هو‬
‫المعتزلة في عرض رؤيتهم‬ ‫الوحيد القادر على تجسيدها‬ ‫حلول لها أحيا ًنا‪ ،‬عن طريق‬
‫ال ِّسياسية‪ ،‬وذلك تجسي ًدا‬ ‫المبادئ العقلية التى تشكل‬
‫لموقف أمتنا الإيجابي ضد‬ ‫وتغيير وضع المدينة؛ لأن‬ ‫ُسلطة الفيلسوف‪ ،‬وتساعد في‬
‫تحديات التيارات الأخرى‪،‬‬ ‫التغيير يحتاج إلى سلطة‪ ،‬ولا‬
‫تقييم الأحداث‪.‬‬
‫وضد الملل والنحل المختلفة‪،‬‬ ‫سلطة عند الفلاسفة تفوق‬ ‫ولا جدال فى أن سلطة العقل‬
‫والمذاهب التي نازلت الإسلام‬ ‫سلطة العقل‪.‬‬
‫وبالتالي النقد هى السلطة‬
‫بعد الفتح الإسلامي‪ ،‬فقد‬ ‫ولقد نشأ النقد والمعارضة‬
‫استطاعت المعتزلة ال ِّدفاع‬ ‫عند الفرق الإسلامية على‬ ‫الحقيقية لتوصيف الأنظمة‪،‬‬

‫أساس عقلي مع الأخذ في‬ ‫ومن خلالها يواجه الفيلسوف‬

‫الاعتبار بأن لكل عصر‬ ‫تجاوزات ال ُّسلطة‪ ،‬ولا‬

‫ظروفه‪ ،‬ومشاكله التي لا‬ ‫يكون التفكير فى المجتمعات‬

‫تنقطع‪ ،‬وبأن باب الرأي‬ ‫السياسية إلا فلسفيًّا‪ ،‬وذلك‬

‫مفتوح للمعارضة‪ ،‬والتدخل‬ ‫فضل مقدرة الفيلسوف‬
‫العقلية على فهم أصول‬
‫العقلي في المجال ال ِّسياسي‪.‬‬ ‫ومبادئ النظام السياسي‬
‫وإن كانت أوضاع ال ُّسلطة‬
‫وشئون الحكم في نطاق ال ِّدين‬ ‫للدولة‪.‬‬
‫إلا أنها من اجتهادات البشر‪،‬‬
‫حيث إن النّص َ ْل يحدد شك ًل‬ ‫وتتيح سلطة العقل نظرة‬

‫معينًا من الحكومة يجب‬ ‫متفهمة متحررة‪ ،‬تسعى إلى‬

‫اتباعه‪ ،‬ويحظر مخالفته‪،‬‬ ‫التغيير وتواجه الآخرين‪،‬‬