Page 177 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 177

‫‪175‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫ابن رشد‬               ‫مبينًا تهافت عقيدتهم‪،‬‬              ‫اليونانية القديمة‪.‬‬
                     ‫وتناقض كلمتهم‪ ،‬فيما يتعلق‬        ‫لقد وقف الغزالي في نقده‪،‬‬
                                                     ‫موقف المدافع عن الإسلام‪،‬‬
                          ‫بالإلهيات‪ ،‬وكاش ًفا عن‬    ‫الغيور على الدين‪ ،‬فيقول فى‬
                        ‫غوائل مذهبهم وعوراته‪،‬‬         ‫السطور الأولى من تمهيد‬
                                                      ‫الكتاب‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإني قد‬
                           ‫التى هي على التحقيق‬         ‫رأيت طائفة يعتقدون في‬
                     ‫مضاحك العقلاء‪ ،‬وعبرة عند‬        ‫أنفسهم التميز عن الأتراب‬

                                      ‫الأذكياء»‪.‬‬         ‫والنظراء بمزيد الفطنة‬
                      ‫والحقيقة أن مسلك الغزالي‬      ‫والذكاء‪ ،‬قد رفضوا وظائف‬
                       ‫فى هذا السياق إنما يعكس‬
                      ‫لو ًنا من النقد اللا أخلاقي‪،‬‬        ‫الإسلام من العبادات‪،‬‬
                       ‫مازال يلقى بظلاله الثقيلة‬      ‫واستحقروا شعائر الدين‪:‬‬
                      ‫على ثقافة هذا العصر‪ ،‬حتى‬
                                                         ‫من وظائف الصلوات‪،‬‬
                         ‫تحول النقد‪ ،‬فى كثير من‬        ‫والتوقي عن المحظورات‪،‬‬
                         ‫الأحيان وفى ظل انتشار‬       ‫واستهانوا بتعبدات الشرع‬
                     ‫وسائل التواصل الاجتماعي‪،‬‬           ‫وحدوده‪ ،‬ولم يقفوا عند‬
                      ‫إلى نوع من تبادل السباب‪.‬‬      ‫توقيفاته وقيوده‪ ،‬بل خلعوا‬
                                                      ‫بالكلية ربقة الدين‪ ،‬بفنون‬
                             ‫والحقيقة أن مفهوم‬         ‫من الظنون‪ ،‬يتبعون فيها‬
                            ‫النقد‪ ،‬فيما يبدو‪ ،‬عند‬      ‫ره ًطا يصدون عن سبيل‬
                        ‫الغزالي لا يقف عن حدود‬       ‫الله‪ ،‬و يبغونها عو ًجا‪ ،‬وهم‬
                       ‫الأفكار‪ ،‬وإنما يمتد ليشمل‬
                         ‫الأشخاص والعلوم التي‬            ‫بالآخرة هم كافرون»‪.‬‬
                        ‫يشتغلون بها‪ .‬فهو يرغب‬        ‫ويؤخذ على الغزالي افتقاده‬
                          ‫في نوع من النقد يعمل‬
                             ‫على تقويض الأفكار‬            ‫للمعايير الأخلاقية في‬
                                                     ‫ممارسته النقدية‪ ،‬بحيث لم‬
                             ‫من أساسها‪ ،‬بحيث‬        ‫يقتصر فى نقده على الأفكار‬
                           ‫يثبت كذب الأشخاص‬
                           ‫وزيف العلوم‪ ،‬فيسهل‬          ‫محل الدراسة والمراجعة‪،‬‬
                                                    ‫ولكن أجاز لنفسه النّيل من‬
                             ‫عليه‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬هدم‬
                         ‫الأفكار‪ .‬يتضح ذلك من‬          ‫الأشخاص أصحاب هذه‬
                           ‫عدة عبارات من قبيل‪:‬‬          ‫الآراء‪ ،‬فوصفهم بأبشع‬
                                                       ‫الصفات‪ ،‬حتى وصل إلى‬
                           ‫«يعتقدون في أنفسهم‬         ‫حد رميهم بالكفر‪ .‬يتضح‬
                      ‫التميز عن الأتراب والنظراء‬       ‫ذلك فى أكثر من موضع‪،‬‬
                                                       ‫منها ما ذكره فى التمهيد‬
                        ‫بمزيد الفطنة والذكاء‪ ..‬لا‬       ‫نفسه عندما قال‪« :‬فلما‬
                       ‫مسند لكفرهم سوى تقليد‬        ‫رأيت هذا العرق من الحماقة‬
                       ‫سماعي إلفي‪ ..‬إنما مصدر‬         ‫ناب ًضا على هؤلاء الأغبياء‬
                                                     ‫انتدبت لتحرير هذا الكتاب‬
                          ‫كفرهم سماعهم أسماء‬          ‫ر ًّدا على الفلاسفة القدماء‪،‬‬
                        ‫هائلة‪ ،‬كسقراط‪ ،‬وبقراط‪،‬‬

                                     ‫وأفلاطون‪،‬‬
                                       ‫وأرسطو‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182