Page 179 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 179

‫مفهوم النقد‪ ،‬فيما يبدو‪ ،‬عند الغزالي‬
  ‫لا يقف عن حدود الأفكار‪ ،‬وإنما يمتد‬
       ‫ليشمل الأشخاص والعلوم التي‬
   ‫يشتغلون بها‪ .‬فهو يرغب في نوع‬
  ‫من النقد يعمل على تقويض الأفكار‬
       ‫من أساسها‪ ،‬بحيث يثبت كذب‬

‫الأشخاص وزيف العلوم‪ ،‬فيسهل عليه‪،‬‬
                 ‫بعد ذلك‪ ،‬هدم الأفكار‬

      ‫به الخصم في مواجهة‬       ‫التي ُتستعمل من أجل إقناع‬      ‫محمد عابد الجابري‬
 ‫خصمه‪ ،‬الأقاويل التي ليس‬          ‫الإنسان بأي شيء كان‪.‬‬
 ‫هدفها بناء المعرفة بل إقناع‬        ‫‪ -٥‬الأقاويل الشعرية‪،‬‬           ‫التهافت» مقدمة واحدة‬
                                  ‫وهى التي تعتمد التخييل‬        ‫قصيرة يبين فيها الغرض‬
     ‫المخاطب بوجهة نظر لا‬          ‫والتصوير بهدف حمل‬              ‫من الكتاب‪ ،‬فيقول‪« :‬فإن‬
  ‫تنتمى إلى العلم‪ ،‬بل تنتمي‬       ‫المخاطب على أن يرى في‬
                                                                  ‫الغرض في هذا القول أن‬
     ‫إلى المذهب والتمذهب»‪.‬‬     ‫الشيء إما جما ًل أو قب ًحا أو‬   ‫نبين مراتب الأقاويل المثبتة‬
 ‫وابن رشد‪ ،‬وف ًقا للجابري‪،‬‬                ‫جلا ًل أو هوا ًنا‪.‬‬  ‫فى كتاب التهافت لأبي حامد‬
‫بعيد‪ ،‬في نقده‪ ،‬تما ًما عن أية‬
‫أيديولوجيا‪ .‬فقد كان منقط ًعا‬       ‫ومن خلال هذا التحليل‬             ‫في التصديق والإقناع‪،‬‬
 ‫للعلم‪ ،‬ولا يهدف من ورائه‬         ‫يصل الجابري إلى نتيجة‬         ‫وقصور أكثرها عن مرتبة‬
  ‫سوى الوصول إلى المعرفة‬         ‫منهجية يفسر بها موقف‬
                                                                        ‫اليقين والبرهان»‪.‬‬
   ‫اليقينية التي يطمئن إليها‬          ‫ابن رشد من طريقة‬            ‫وقد شرح عابد الجابري‬
   ‫العقل‪ .‬وهو في سبيلة إلى‬        ‫الغزالي فى نقد الفلاسفة‪،‬‬    ‫مراتب الأقاويل‪ ،‬المشار إليها‬
   ‫ذلك كان يميز بين الدين‬      ‫فيقول‪« :‬وعندما يصف ابن‬            ‫فى المقدمة‪ ،‬وف ًقا لأرسطو‬
 ‫والفلسفة‪ ،‬ليقضي على ذلك‬         ‫رشد (الأقاويل المثبتة) في‬
‫الخلط الذى وقع فيه الغزالي‬         ‫كتاب الغزالي بـ»قصور‬                  ‫على النحو التالي‪:‬‬
                                                              ‫‪ -١‬الأقاويل البرهانية‪ ،‬وهى‬
                  ‫في كتابه‪.‬‬         ‫أكثرها عن رتبة اليقين‬
     ‫وفى هذا السياق‪ ،‬يقول‬       ‫والبرهان»‪ ،‬فمعني ذلك أن‬            ‫التي تفيد العلم اليقيني‪.‬‬
 ‫الجابري‪« :‬الدين له أصول‬                                       ‫‪ -٢‬الأقاويل الجدلية‪ ،‬وهى‬
   ‫ومقاصد والفلسفة كذلك‬           ‫أكثرها من النوع الجدلي‬
‫لها أصول ومقاصد‪ :‬أصول‬            ‫والخطابي والسفسطائي‪،‬‬            ‫التي يعتمد فيها المرء على‬
  ‫الدين موضوع إيمان‪ ،‬فلا‬          ‫أى أنها ليست تنتمى إلى‬      ‫المشهور من الآراء والأفكار‪.‬‬
   ‫يجوز للعقل الجدال فيها‬       ‫العلم‪ ،‬وبالتالي فهي‪ ،‬بلغتنا‬
    ‫لأنها تتعلق بموضوعات‬        ‫المعاصرة‪ :‬هي أيديولوجية‬         ‫‪ -٣‬الأقاويل السفسطائية‪،‬‬
                                 ‫بمعنى «الرأي الذى يقول‬              ‫والهدف منها التغليط‬

                                                                 ‫والتضليل‪ ،‬وتقديم الباطل‬
                                                                ‫في صورة الحق والحق في‬

                                                                           ‫صورة الباطل‪.‬‬
                                                              ‫‪ -٤‬الأقاويل الخطابية‪ ،‬وهى‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184