Page 183 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 183

‫‪181‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫الأشياء بحقائقها وسماها‬        ‫عدم شرعية حكومة معاوية‬          ‫عن ال ِّدين عن طريق أدواتها‬
    ‫كف ًرا؛ لأن في علم الاشياء‬         ‫بن أبي سفيان‪ ،‬وكذلك‬        ‫العقلية‪ )2(.‬ولقد عكس الواقع‬
 ‫بحقائقها علم الربوبية‪ ،‬وعلم‬
‫الفضيلة‪ ،‬وجملة كل علم نافع‪،‬‬          ‫فعل القاضي عبد الجبار‪،‬‬         ‫الإسلامي‪ ،‬وما زال يعكس‬
 ‫والسبيل إليه‪ ،‬والبعد عن كل‬         ‫وترى المعتزلة أن الأمويين‬       ‫أفكار المعارضة‪ ،‬فلقد كان‬
    ‫ضار‪ ،‬والاحتراس منه‪)6(.‬‬                                        ‫ِفكر المعتزلة وتراثهم الفكري‬
                                       ‫قد عملوا على استرقاق‬      ‫يحاول أن يعضد مبدأ الثورة‪،‬‬
       ‫إن التهم التي يوجهها‬         ‫الجمهور بالعصبية القبلية‬       ‫ويضيف لها شرط التمكن‪،‬‬
  ‫الكندى لرجال الدين خطيرة‬                                        ‫تجنبًا للفوضى والاضطراب‪،‬‬
   ‫تتلخص في أنهم لا يتبعون‬            ‫طو ًرا وبالاستعباد المالي‬      ‫ولذلك كانت فكرة التمكن‬
   ‫الحق؛ وأنهم ضيقوا الفهم؛‬        ‫طو ًرا آخر‪ ،‬فكانوا يختمون‬       ‫فكرة عقلية بالدرجة الأولى‪،‬‬
                                     ‫أعناق المسلمين من الموالي‬      ‫والثورة على الحاكم الجائر‬
    ‫وأن الحسد يأكل قلوبهم؛‬       ‫ويسمونهم كما توسم الخيل‪،‬‬           ‫حق‪ ،‬فلقد رأى الجاحظ أنه‬
      ‫وأنهم إنما يدافعون عن‬        ‫ولا تكتفي المعتزلة بالهجوم‬    ‫«ليس ينبغي لمعاوية أن يحمد‬
                                   ‫على هؤلاء الملوك الأمويين‪،‬‬       ‫على ما اتفق له من أسباب‬
‫كراسيهم المزورة عند أصحاب‬          ‫بل ويهاجمون من يرضون‬           ‫القوة‪ ،‬وتهيأ له من الملك»‪)3(.‬‬
    ‫السلطان؛ وأنهم يتجرون‬                                           ‫وهذا يعني أن تولي الحكم‬
     ‫بالدين‪ .‬وقد عرفنا بعض‬                     ‫بحكومتهم‪)5(.‬‬          ‫ليس فض ًل يحمد‪ ،‬ويمنع‬
                                  ‫وإذا تركنا الفرق الإسلامية‪،‬‬        ‫الناس من النقد‪ ،‬ومن هنا‬
‫رجال الدين الذين كان يعنيهم‬      ‫واتجهنا إلي فلاسفة المسلمين‬
 ‫الكندى‪ ،‬فمنهم الفقهاء ومنهم‬     ‫نجد أن الكندي) ت‪252‬ه) له‬               ‫تمسكت المعتزلة بمبدأ‬
                                  ‫مواقف ونظرة نقدية لبعض‬               ‫الاختيار‪ ،‬مما يتغير مع‬
      ‫المتكلمون المدافعون عن‬      ‫رجال الدين واضحة‪ ،‬هؤلاء‬             ‫الأوقات والأزمنة ووف ًقا‬
  ‫العقيدة الإسلامية بمنطقهم‪،‬‬        ‫الذين تحاملوا على الفلسفة‬        ‫لمقتضيات ومعايير العقل‬

     ‫ومنهم فرق لا حصر لها‬            ‫والاتجاه النقدي‪ ،‬وقذفوا‬                         ‫عينه‪)4(.‬‬
     ‫لعبت أدوا ًرا مختلفة إبان‬      ‫المشتغلين بالفلسفة بتهمة‬          ‫وكان لموقف المعتزلة من‬
  ‫الدولة الأموية وبداية الدولة‬       ‫الكفر والزندقة‪ ،‬ووجهوا‬       ‫الاختيار أبعا ٌد سياسية‪ ،‬فهذا‬
                                  ‫سهام نقدهم العنيف للكندى‬       ‫هو الموقف الذي يناهض فكرة‬
                  ‫العباسية‪.‬‬       ‫والدارسين للعلوم الفلسفية‪،‬‬         ‫الجبر‪ ،‬ويقف ضد الحكام‬
 ‫ولكن الكندى عاش أي ًضا بعد‬       ‫فكان الكندى أول من كشف‬           ‫الذين يروجون لهذه الفكرة‬
  ‫وفاة المأمون (ت‪218‬ﻫ)‪ ،‬في‬
                                       ‫القناع الذى يكمن وراء‬                      ‫لصالحهم‪.‬‬
    ‫العصر الذي بدأه الخليفة‬      ‫موقفهم هذا‪ ،‬فهم –فيما يرى‪-‬‬          ‫وتلخص المعتزلة رأيها في‬
  ‫المتوكل على الله‪ ،‬والذي عاد‬                                       ‫ال َّدولة الأموية‪ ،‬ومعارضة‬
    ‫فيه ُسلطان أهل السنة‪ ،‬لا‬        ‫ينتسبون زو ًرا إلى السلف‬        ‫نظامها‪ ،‬ووقوفها ضد قلب‬
                                   ‫الصالح‪ ،‬وموقفهم هذا كان‬        ‫الحكم من شورى إلى ملكي؛‬
    ‫َج َر َم إذن أن رأيناه يحس‬      ‫“ذ ًّبا عن كراسيهم المزورة‬      ‫بأن هذا الموقف من جانب‬
      ‫‪-‬ككل مفكر حر‪ -‬بقلق‬           ‫التى نصبوها لأنفسهم من‬         ‫الأمويين يعد موق ًفا سياسيًّا‬
     ‫وخوف من بعض رجال‬              ‫غير استحقاق‪ ،‬بل للترؤس‬        ‫مغر ًضا‪ ،‬ولهذا نظرت المعتزلة‬
                                  ‫والتجارة بالدين‪ ،‬وهم عدماء‬         ‫إلى الخلافة الأموية نظرة‬
   ‫الدين وسلطانهم‪ ،‬وكان ما‬          ‫الدين؛ لأن من تجر بشيء‬           ‫إدانة‪ ،‬وعدم اعتراف‪ ،‬وقد‬
   ‫روي عنه أنه أوذي بسبب‬          ‫باعه‪ ،‬ومن باع شيئًا لم يكن‬        ‫حاول الجاحظ البرهنة على‬
 ‫اشتغاله بالفلسفة‪ .‬ولهذا كان‬        ‫له‪ ،‬من تجر بالدين لم يكن‬
  ‫لا ب َّد له من محاولة التوفيق‬
 ‫بين الشرع والعقل‪ ،‬وذلك ما‬           ‫له دين‪ .‬ويحق أن يتعرى‬
  ‫قد يجعله بمأمن من الأذى؛‬         ‫من الدين من عاند قنية علم‬
  ‫ولذلك نجد ابن النديم يذكر‬
  ‫له ضمن مؤلفاته رسالة في‬
   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188