Page 222 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 222

‫العـدد ‪١٩‬‬                            ‫‪220‬‬

                                        ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫‪ ،1773‬بسطها في الفصل الثالث‬                  ‫من ملاحظات بروس في عالم البحر‬
‫عشر والأخير من المجلد الخامس‪،‬‬           ‫الأحمر ازدهار تجارة الهند بشكل متزايد‬
‫وعرض الأخير عليه تولي منصب‬
‫عسكري واستمراره إلى جواره في‬                 ‫في سواكن ومصوع‪ ،‬رغم منع بعض‬
 ‫مواجهاته القائمة والمحتملة‪ ،‬لكن‬               ‫التجار «الهنود غير المسلمين» من‬
 ‫جيمس بروس رفض وقفل عائ ًدا‬
 ‫إلى فرنسا ومنها إلى بلاده لكتابة‬         ‫الوصول إلى الأراضي المقدسة بالحجاز‪،‬‬
‫مشاهداته في رحلته لكشف منابع‬                  ‫ومن ثم تركز اعتمادهم على اليمن‬

    ‫النيل‪ ،‬والتي تجاوزت العنوان‬         ‫وسواكن ومصوع في تمرير تجارتهم إلى‬
  ‫المذكور بكثير وشكل سف ًرا ثر ًّيا‬        ‫جدة‪ ،‬مقابل الحصول على منتجات مثل‬
                                                   ‫ذهب سنار الصافي عبر الحبشة‬
    ‫بمشاهدات حقبة هامة للغاية‬
    ‫لمنطقة البحر الأحمر وحوض‬                ‫وكان تجار سواكن هم الأكثر‬             ‫السلطان في التجارة قام على‬
                                           ‫ثراء في المنطقة يليهم التجار في‬       ‫مراعاة طرق التجارة البعيدة‬
                         ‫النيل‪.‬‬                                                ‫مع دول مثل مصر‪ .‬كما شكلت‬
                                            ‫سنار‪ .‬وجاء تجار أجانب من‬          ‫مملكة الفونج إحدى المناطق التي‬
                       ‫خلاصة‬             ‫مصر وكردفان في المرتبة التالية‪.‬‬        ‫بها عملة خاصة بها في شمال‬
      ‫شملت رحلات بروس نقاط‬              ‫وتمتع تجار الشايقية بأكبر مجال‬       ‫شرق أفريقيا خلال القرن الثامن‬
      ‫ارتكاز هامة في عالم البحر‬                                                ‫عشر‪ ،‬وكان من أشهر العملات‬
‫الأحمر وحوض النيل‪ ،‬وأوضحت‬                    ‫جغرافي للحركة التجارية في‬        ‫في سنار (وفق رواية بوركهارت‬
     ‫ملاحظاته‪ ،‬ربما دون قصد‪،‬‬              ‫المنطقة وكانوا يصلون إلى سنار‬         ‫‪ )Burckhardt‬العملة المعروفة‬
    ‫العلاقات المتشابكة والمتداخلة‬       ‫ودارفور ومصر وسواكن‪ .‬وكانت‬           ‫باسم أبو مدفع‪ ،‬وأبو عموس‪ ،‬إلى‬
    ‫بين أطراف هذا العالم‪ .‬وهكذا‬           ‫التجارة المصرية أكثر أهمية من‬         ‫جانب العملات المصرية وعملة‬
 ‫فقد رصد جيمس بروس صورة‬                                                       ‫ماريا تريزا الأثيوبية‪ .‬كما كانت‬
   ‫كاملة عن الأوضاع في المناطق‬               ‫حجمها وقيمتها‪ ،‬لأنها جلبت‬       ‫تجارة مملكة الفونج تنتقل بحرية‬
‫التي زارها خلال رحلته (‪-1768‬‬                ‫للعائلة المالكة الأسلحة النارية‬   ‫تامة بين دارفور وسواكن وعبر‬
                                          ‫والذخيرة والسلع الفارهة وهي‬        ‫البحر الأحمر وصو ًل إلى القاهرة‪.‬‬
       ‫‪ )1773‬وسجل ملاحظات‬                   ‫سلع لم تكن متداولة كثي ًرا في‬      ‫مع ملاحظة أن التجارة لم تكن‬
 ‫ومشاهدات غاية في الأهمية تثير‬                                                 ‫في شكل قوافل متواصلة دائ ًما‪،‬‬
  ‫درو ًسا عميقة بين ثنايا سرده‪،‬‬                ‫السوق السوداني حينذاك‪.‬‬            ‫لكن كانت تتوقف في محطات‬
                                            ‫واختتم بروس رحلته بمقابلة‬         ‫يتغير معها القائمون على القافلة‬
   ‫من بينها أن الاستعمار لم يكن‬         ‫«درامية» مع محمد بك أبو الدهب‬             ‫مما حجم من التجارة فعليًا‪.‬‬
   ‫وليد لحظة تاريخية بعينها‪ ،‬أو‬          ‫(الذي خان علي بك الكبير صديق‬
  ‫عملية تاريخية منقطعة‪ ،‬بل كان‬              ‫بروس وأجبره على الفرار إلى‬
  ‫نتيجة تراكمات وأعمال أسهمت‬               ‫سورية‪ ،‬ولاحظ بروس إجادته‬
 ‫بشكل مباشر في خضوع المنطقة‬              ‫للغة التركية) في القاهرة في يناير‬
‫للهيمنة الغربية‪ ،‬قبل عقود متباينة‬

     ‫من وقوعها في يد الاستعمار‬
                     ‫الأوروبي‪.‬‬

     ‫* معهد الدراسات المستقبلية‪ -‬بيروت‬
   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227