Page 26 - LEGAL CULTURE
P. 26

‫قصر الحماية الدستورية على حالة وقوع اعتداء فعل ًا ‪ ،‬فيه تقويض لقيمة‬                                        ‫نطاق الحقوق والحريات‪ ،‬نجد أن التمتع بها لا يتم بصورة‬
‫النصوص الدستورية التى تمنع الاعتداء على الحرية الشخصية‪ ،‬والتمييز‬                                           ‫يكون من شأنها التضحية بالمصلحة العامة ‪ .‬فحقوق‬
‫بين المواطنين‪ ،‬وفرض العمل جب ًرا عليهم‪ ،‬فكل هذه النصوص‪ ،‬وغيرها‬                                             ‫الإنسان وحرياته بوجه عام لا يجوز التضحية بها فى‬
‫من النصوص التى تحمى الحقوق والحريات‪ ،‬تعمل وقد قصد بها ابتداء‬                                               ‫غير ضرورة تتطلبها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها ‪.‬‬
‫فرض حماية سابقة لمنع وقوع الاعتداء‪ ،‬فإذا ما حدث ووقع الاعتداء على‬                                          ‫وحتى تستطيع الدولة أن توازن بين ممارسة الحقوق‬
‫الحقوق والحريات بالمخالفة للحظر الوارد بشأنها أخذت الحماية صورة‬                                            ‫الاقتصادية والاجتماعية وبين المصلحة العامة فإن‬
                                                                                                           ‫عليها أن تجدد قواعد السوق وحرية المنافسة‪ ،‬وحماية‬
‫وتدعيم سيادة القانون‪ ،‬وجعله حقيقة واقعة‪ ،‬لا مبدأ‬      ‫لا تتحقق إلا بأمرين لا غنى لأحدهما عن الأخر‪ :‬الأول‪:‬‬  ‫الاستثمار الوطنى والأجنبى‪ ،‬وحماية الإنتاج الوطنى‬
‫نظرى فحسب يكمن فى وجود رقابة فعالة على دستورية‬        ‫النص فى الدستور على هذه الحقوق والحريات‪ ،‬والثانى‬     ‫ضد الإغراق ‪ .‬وتشجيع الأفراد على ممارسة أنشطة‬
‫القوانين‪ ،‬رقابة جدية تقوم عليها جهة مستقلة تتوافر‬
‫فيها الضمانات الكافية بالإضافة إلى التخصص الفني‪.‬‬                  ‫‪ :‬إيجاد وسيلة فعالة لحماية الدساتير‪.‬‬                               ‫ذات مصالح جماعية ‪.‬‬
                                                      ‫والدستور الحالى أورد با ًبا كاملاً للحقوق والحريات؛‬  ‫وأن تشارك فى دفع مشروعات كبيرة لا يستطيع‬
            ‫ولا نعنى بذلك غير الرقابة القضائية‪.‬‬       ‫فقد احتوى الباب الثالث المواد من ‪ 51‬حتى ‪ 93‬جميعها‬    ‫الأفـراد تحمل مسئوليتها وحدهم‪ ،‬كما يجب عليها‬
‫وقد قامت بهذه المهمة خير قيام المحكمة الدستورية‬       ‫تتناول الحقوق والحريات والواجبات العامة أما الوسيلة‬  ‫أن تضع سياسة اجتماعية تضمن حماية المواطنين‬
‫العليا فى مصر‪ ،‬ومن قبلها المحكمة العليا على نحو‬       ‫الفضلى لحماية هذه الحقوق والحريات التى أوردها‬        ‫ضد الأخـطـار‪ ،‬وأن تضمن تكافؤ الفرص‪ ،‬وتحـارب‬
                                                      ‫الدستور فهى القضاء الدستورى الذى يمكنه حماية هذه‬
                             ‫ماسنرى فيما بعد‪.‬‬         ‫الحقوق ورد المعتدى إلى حظيرة الدستورية‪ ،‬وخصو ًصا‬                                       ‫الاستثناءات ‪.‬‬
‫فالرقابة القضائية على دستورية القوانين أهم‬            ‫إذا جاء الاعتداء من جانب المشرع سواء كان بقصد أو‬     ‫وفى مجال الشرعية الجنائية ‪ :‬فإذا كانت الحماية‬
‫مبتكرات العلم الدستورى لحماية الدساتير‪ ،‬ولحماية‬       ‫بغير قصد وهذا هو الغالب فى كثير من صور الاعتداء‪.‬‬     ‫الجنائية للحقوق والحريات وحماية النظام العام تتم‬
‫الحقوق والحريات التى تحتويها الدساتير‪ ،‬و لحماية‬       ‫فلا يمكن‪ -‬إلا فيما ندر‪ -‬أن يقصد المشرع الوطنى‬        ‫من خلال التجريم والعقاب‪ ،‬وكانت الإجراءات الجنائية‬
‫كيان الدولة وسلطاتها التى تنتظمها أحكام الدساتير‪.‬‬     ‫الاعتداء على حق من الحقوق أو حرية من الحريات‬         ‫تتخذ لتمكين الدولة من اقتضاء سلطتها فى العقاب‪ ،‬فإن‬
                                                      ‫إنما قد ينزلق إليها دون قصد‪ .‬ومع ذلك فلابد من‬        ‫ذلك لا يعنى التضحية بحقوق وحريات الأفراد الذين يتم‬
    ‫و الحماية الدستورية‪ ،‬لها عنصرين متكاملين‪:‬‬                                                              ‫التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية فى مواجهتهم ‪.‬‬
‫حماية وقـائـيـة‪ :‬تنصرف إلـى أن جميع الحقوق‬                                      ‫رده عن هذا الاعتداء‪.‬‬       ‫وفى ضوء الشرعية الدستورية‪ ،‬يجب أن يحدث‬
‫والحريات ينص عليها فى الدستور لإبعادها عن أن‬          ‫و قد أثبت التاريخ والتجارب الدولية المختلفة أن‬       ‫التوازن بين الهدف الأول من وراء التجريم والعقاب‪،‬‬
‫يتناولها المشرع العادى بالتنظيم الذى قد ينقص منها أو‬  ‫الضمان الحقيقى لحماية الدستور ولضمان الشرعية‬         ‫ومباشرة الإجراءات الجنائية والمتمثل فى حماية المصلحة‬
‫يحدد مضمو ًنا ضي ًقا لها أو يحيط تنظيم الحق بالكثير‬                                                        ‫العامة‪ ،‬والهدف الثانى المتمثل فى حماية الحقوق‬
                                                                                                           ‫والحريات ‪ .‬وبغير هذا التوازن تفتقد سلطة التجريم‬
                                                                                                           ‫والعقاب مصداقيتها وفعاليتها فى الدولة القانونية ‪.‬‬
                                                                                                           ‫ولهذا يجب أن تتجاوب سلطة التجريم والعقاب مع‬
                                                                                                           ‫مقتضيات حماية الحقوق والحريات فى جميع أشكالها‬
                                                                                                           ‫وصورها‪ .‬وبدون هذه الحماية يكون التجريم والعقاب‬
                                                                                                           ‫وما يصاحب ذلك من إجراءات جنائية أداه بطش وتحكم‬
                                                                                                           ‫وتفقد الحقوق والحريات معناها وجدواها ‪ .‬وبوجه‬
                                                                                                           ‫عام فإن تحقيق التوازن يتطلب من المشرع أن يضع‬
                                                                                                           ‫من القواعد القانونية ما يكفل ممارسة حقوق الإنسان‬
                                                                                                           ‫على أكمل وجه‪ ،‬ويكفل فى الوقت ذاته عدم تجاوز هذه‬
                                                                                                           ‫الحريات للأطر الدستورية المقررة‪ ،‬بما يضمن عدم‬
                                                                                                           ‫إخلالها بما أعتبره الدستور من مقومات المجتمع‪ ،‬وبما‬
                                                                                                           ‫يحتم مراعاة الأفراد ومؤسسات المجتمع المدنى للقيم‬
                                                                                                           ‫الدستورية‪ ،‬لاينحرفون عنها‪ ،‬ولايتناقضون معها‪ ،‬وإلا‬
                                                                                                           ‫عدت هذه الحريات وما يقترن بها فوضى لا عاصم من‬
                                                                                                           ‫جموحها‪ ،‬بما يعصف بثوابت المجتمع وبالنظام العام ‪.‬‬
                                                                                                           ‫نأتى إلى التساؤل ‪ ..‬كيف تتوافر الحماية الدستورية‬

                                                                                                                               ‫للحقوق والحريات فى مصر؟‬
                                                                                                           ‫هل مجرد إدراج هذه الحقوق ضمن أحكام الدستور‪،‬‬
                                                                                                           ‫يكفى لإسباغ هذه الحماية ؟ أم أن لهذه الحماية إطار‬
                                                                                                           ‫عام و متكامل تدور فيــه؟ وبغير هذا الإطار المتكامل لا‬

                                                                                                                        ‫تكون فكرة الحماية لأى حق متوافرة ‪.‬‬
                                                                                                           ‫بداية نستطيع أن نقرر أن للحقوق والحريات أنواع‬
                                                                                                           ‫عديدة من أوجه الحماية‪ ،‬وتعد الحماية الدستورية هى‬

                                                                                                                          ‫أهم شكل من أشكال هذه الحماية‪.‬‬
                                                                                                           ‫ولئن كان البعض من الفقه قد عول على وسائل‬
                                                                                                           ‫أخرى فى حماية الحقوق والحريات‪ ،‬فإن اختبار هذه‬
                                                                                                           ‫الوسائل فى الواقع أكد على عدم صلاحيتها‪ ،‬وفشلها‬

                                                                                                                                ‫فى حماية أى حق أو حرية ‪.‬‬
                                                                                                           ‫ونستطيع أن نقرر‪ -‬ونحن مطمئنون – أنه إذا توافر‬
                                                                                                           ‫مطلب من هذه المطالب فلن يتوافر المطلب الآخر‪ .‬فلا‬
                                                                                                           ‫يوجد شعب فى مجموعة أو فى معظمه ذو ثقافة قانونية‬
                                                                                                           ‫رفيعة يستطيع الحكم بها على ما إذا كان قد حدث‬
                                                                                                           ‫انتهاك لحق من الحقوق أم لا ‪ ،‬وأى من الحقوق أجدر‬
                                                                                                           ‫بالحماية من غيره عند التعارض كما أنه من الصعب‬
                                                                                                           ‫ج ًدا أن يتوافر رأى عام سليم مكون تكوي ًنا بعي ًدا عن‬
                                                                                                           ‫التأثرات الخارجية والداخلية التى تؤثر عليه و تغير من‬
                                                                                                           ‫مساره‪ ،‬والتى من أبرزها الأحزاب السياسية والجماعات‬

                                                                                                                    ‫الضاغطة ووسائل الإعلام المضللة أحيا ًنا‪.‬‬
                                                                                                           ‫لانجد بعد ذلك سوى الحماية الدستورية‪ ،‬وهى حماية‬

                                                                                                           ‫يناير ‪262024‬‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31